ينحدر الفريق شمس الدين كباشي والكمندر عبدالعزيز الحلو من ذات المنطقة وهي جنوب كردفان، شاءت الأقدار أن يمثل الرجلان قيادة طرفي تفاوض مصيري في السودان، يؤمن فيه أحدهما وهو كباشي بالسودان الموحد القائم على دولة المواطنة بينما يؤمن فيه الحلو بالسودان العلماني او السودان المنقسم والمحترب!! فانظروا إلى طرفي المعادلة، طرف الوحدة وطرف الحرب، هل هناك أوضح من هذا المثال على أن الحلو ومن خلفه من الذين يظنون انفسهم يمثلون جنوب كرفان لا يمثلون سوى انفسهم! لا يمثلون إلا ايدولوجية حربية أدمنت الحرب وتريد لهذا البلد ان يظل في الحرب او تفرض عليه هوية علمانية بطريقة احادية.
وجود الفريق كباشي إبن كادوقلي مفاوضا عن الحكومة يثير اسئلة مهمة: هل يمثل الحلو جميع سكان جنوب كرفان ويحق له الحديث باسمهم؟ كلا ولا. هل يمثل الحلو جميع سكان السودان ويحق له الحديث بإسم الشعب؟ كلا ولا. الحلو لا يمثل إلا شريحة صغيرة جدا، فمن أين له الحق في ارغام شعب السودان جميعا في تفاوض ثنائي على هوية جديدة؟ فليفاوض الحلو كما يشاء باسم جماعته ومنطقته في المفاوضات الثنائية مع الحكومة، وليترك قضايا الوطن القومية لتناقش في حضور جميع فئات الوطن بلا استثناء، في مؤتمر جامع.
الطريقة التي يفاوض بها الحلو في قضية العلمانية هي طريقة لوي الذراع والاخضاع، فهو يضعها مقابل لتقرير المصير، وهو بهذا يجعل الحكومة الانتقالية بين نارين، الخضوع لابتزاز الحلو او الحرب وربما تقرير المصير، وطريقة الحلو الراهنة لا تختلف كثيرا عن طريقة الكيزان في فرض هويتهم الدينية عبر نظام الإنقاذ، الفرق فقط ان الحلو يفرضها عبر لوي الذراع في التفاوض بينما فرضها الكيزان عبر الانقلاب، ولو استطاع الحلو تنفيذ انقلاب ناجح في السودان فسوف يفرض العلمانية على الشعب السوداني بالقهر والسلاح كما فعل الكيزان بدولتهم الدينية.
لذلك نقول ان يرفع الحلو شعار العلمانية فهذا شيء طبيعي، ان يدعو لها فهذا شيء طبيعي، ولكن ان يفرضها فهذا ما لا يمكن فهمه ولا هضمه، فالقضايا المرتبطة بثقافة المجتمع وهويته وذاته لا يمكن فرضها من الأعلى، وإنما تخرج من الأسفل من القناعات الذاتية ومن الإيمان بها، ومصادمة هذه الحقيقة لن تقود إلا إلى مزيد من التوترات و القلاقل، فاوربا مصدر العلمانية لم تطبق العلمانية الا بعد أكثر من قرن من ظهورها كتيار فلسفي سياسي، هذا القرن كان هو المسافة التي قطعها المجتمع الأوربي بين الفكرة والتطبيق، بينما يريدنا الحلو وجماعته ان نقطع هذا المسافة في اول سنة من عمر الفترة الانتقالية وبدون أي نقاش حقيقي على الواقع ولا مؤتمرات قومية ولا مناقشة عامة ولا استفتاء، هكذا في حوار مغلق مع حكومة مؤقتة يريد الحلو ان يلون السودان بالعلمانية! فهل هذا من العقل والمنطق في شيء؟! ليس كذلك، وبالتالي كان موقفا صحيحا أن يعود كباشي والتعايشي من هذا العبث ويتركوا حوار الطرشان.
sondy25@gmail.com