اكتب هذا المقال مغرب الجمعة ولم يحسم بعد السباق الانتخابي في أميركا ولكن العالم جميعا يحبس انفاسه لمشاهدة نتيجة اقوى كلاسيكو انتخابي في العالم بين بايدن وترامب، وملايين المواطنين يشاهدون هذا السباق وكأنه من عالم آخر فالكثير من دول العالم لم تعش في تاريخها انتخابات ديمقراطية للرؤساء، ولذلك فهذا السباق بالنسبة لهم فيلم من افلام الخيال والترفيه الهيوليودية، مع أن هذا الفيلم يعرض كل أربعة سنوات بانتظام -مع بعض الاستثناءات- منذ تنصيب جورج واشنطن رئيسا لأمريكا بعد حرب التحرير في ١٧٨٩م.
لاحظ عزيزي القاريء ان ديمقراطية أميركا عمرها ٢٣١ سنة، طيلة هذه المدة ظل الشعب الأميركي يختار حكامه بنفسه، وهذا السبب من وجهة نظري هو السبب الجوهري الوحيد الذي جعل أميركا تتقدم العالم وتخطو إلى الامام بصورة مذهلة عبر التاريخ رغم اكتشافها المتأخر ورغم التباين في سكانها وبعدها الجغرافي عن أغلبية العالم، فهذا الانتظام في اختيار حكام جدد باستمرار أشعر مواطني أميركا بأن هذه البلاد ليست ملكا لاحد وإنما ملكا للجميع، فالشعب هو صاحب السلطات، هو من يعطي الضوء الأخضر للرئيس للحكم وهو من يمنعه من الحكم عبر الانتخابات. ومع الانتظام الانتخابي يحدد الدستور الاميركي مدة ولاية الرئيس المنتخب بفترتين رئاسيتين فقط طيلة الحياة.
الانتظام الانتخابي وقصر مدة الرئاسة على فترتين، أغلقا الباب تماما امام الرؤساء الخارقين، الذين يكثرون في دول العالم الثالث في أفريقيا وغيرها من القارات، الرؤساء الذين يصورهم المنتفعين بأنهم هبة الله للشعب وان الشعب بدونهم ميت والبلاد محطمة، فيحكم الرئيس عشرات السنين ويظل في الكرسي حتى الممات! فتصاب الدولة بالتكلس والبلاد بالعطب ويكثر الفساد وتختفي المبادرات وتهاجر الكفاءات وتغرق البلاد في الحضيض.
أمريكا مازالت تواصل الاحتفاظ بتقليدها الديمقراطي وتقدم نموذجا شامخا تاريخيا للعالم اجمع عن تبادل السلطة سلميا، ولا يبدو أن الأصوات المشككة من ترامب ومناصريه في نزاهة الانتخابات قادرة على هز إيمان الشعب الأميركي بديمقراطيته التليدة، وكان الله في عوننا في دول العالم الثالث فمتى نصل لمرحلة تخطي دورتين ديمقراطيتين فقط !!!
sondy25@gmail.com