فاز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة الأميركية،
ليصبح الرئيس السادس والأربعين، بعد سباق محموم مع الرئيس الحالي دونالد ترمب.
جاء بايدن من بعيد ليحقق نجاحاً كبيراً، أسهم فيه إلى
حد كبير ترمب نفسه، وموقفه من جائحة كورونا.
على الرغم من اتهامات التزوير التي يدعيها ترمب
وأنصاره، وما صاحب الانتخابات من تراشق، وممارسات جديدة على الولايات المتحدة،
بسبب طبيعة الرئيس ترمب، وعناده، إلا أن جميع من تابع الانتخابات استمتع بمذاق
الديمقراطية اللذيذ، خصوصاً من هم محرمون منها أمثالنا في العالم الثالث.
أن الولايات المتحدة تؤكد في كل يوم أنها بلد الأحلام،
وأن نجاحها أساسه القدرة على إدارة التنوع، ولا أدل على ذلك من اختيار باراك حسين
أوباما دورتين (8 سنوات)، وهو المنحدر من أم إنجليزية وأب كيني مسلم.
وها هي كمالا هاريس ابنة العالمة الهندية شيامالا
غوبالان، وأستاذ الاقتصادي الجامايكي دونالد
هاريس تصبح أول امرأة تتولى منصب نائب الرئيس، مما يؤكد أن سر تفوق أميركا
استيعابها كل الأجناس، ليحقق أي نابه طموحاته بغض النظر عن عرقه، وجنسه، ولونه.
انقسم العرب بين المتنافسين، فأراد بعضهم أن يفوز
ترمب، وشجع آخرون بايدن، وأيدوه بقوة، وسهر كثير من الفريقين الليالي ليطلق العنان
لفرحته، إذا فاز من يؤيده.
استمتع الجميع بلعبة الديمقراطية، وتساوي الرئيس الذي على رأس السلطة مع من ينافسه، وجري زجره من الولاة، والقضاة، وكل صاحب سلطة يجده في موقف المتجاوز لأصول اللعبة.
فاز بايدن أم فاز ترمب، فالفائز هو المواطن الأميركي، الذي يملك حق الاختيار، والفائزة أميركا التي تقيم دولة المواطنة، التي قد يدعي أحدهم التميّز، ولكن توقظه اللعبة الديمقراطية، لتقول له: الجميع سواسية، وكل مواطن يملك صوتاً واحداً، ومن ثم، له ما للجميع من حقوق، وعليه ما على الجميع من واجبات.
قد يكره بعضنا أميركا، ولكن كلنا مبهورون
بديمقراطيتها، ونتمناها أن تسود في بلادنا، وقد دفعنا في السودان مثلاً أرواحاً
عزيزة منذ الاستقلال، حتى نستطيع أن نقول لا أو نعم، وفق ما نهوى.
من يتصور بوناً شاسعاً في المواقف الأميركية في الشرق
الأوسط واهم، لأن السياسة الأميركية أساسها المصلحة، وإذا كانت القضية الفلسطينية
تظل القضية المركزية في المنطقة، فإن الدعم الأميركي لإسرائيل باق، والاعتراف
بالقدس عاصمة لها مستمر.
ويتحدد موقف أميركا من دول المنطقة بناءً على مصلحتها،
وهو متغير حتى في ظل العهد الواحد.
يكفينا من الانتخابات الأميركية الاستمتاع باللعبة
الديمقراطية، لأننا سنظل نمارس رد الفعل لسياسات أميركا، وغيرها، لأننا رضينا أن
نكون جزءاً من خطط غيرنا، وهذا لا ينفي حقنا في الحلم بأن نكون شركاء في اللعبة الديمقراطية
في بلادنا في يوم ما بدلاً من الاكتفاء بالفرجة.