تحفل رواية “ذئبة الحب والكتب”، للعراقي محسن الرملي، بصور الألم والحزن وتغطي فصولها المطولة قيمة الخسارة؛ التي تبتدئ من وطن ضائع ومضاع، وتغوص في نفوس شخوص حفرت معاول الفقد والوحدة في براري أرواحهم إلى أن عرتها تماما. مستخدما تقنية الرسائل كتب الرملي هذه الرواية، وبرغم شيوع هذه التقنية إلى درجة الابتذال الكتابي؛ إلا أنه يصعد في هذا العمل من حيز (الأنا – الآخر) الضيقة لتصير وكأنها رسائل تخص في درجة حميميتها كل فرد (قارئ – متلقي)، كما امتازت هذه الرسائل – للمفارقة – بكونها مرسلة من مرسلها وإليه عبر تقنية إيهامية خادعة على مستوى الحكي والتقنية الكاتبة.
على مدى أكثر من أربعمائة صفحة نقرأ أحزان وأحلام هيام (الذئبة)، تنقيبها عن الحب وسردها لقصصها معه وفيه، وحكاياتها مع الكتب والكتابة والثقافة والمثقفين، بحثها المثالي عن عشق مستحيل يتماهى مع روحها الثملة لتشرب المعرفة إلى آخر قطرة؛ ويشبع جوعها الجسدي كأنثى حرمت (رعشة) تنبع من قلب انسجامها وتوافقها الجسداني مع هذا البعيد، الحبيب، الذي لا يأتي ولا يتحقق إلا في حيز الورق وبوح الكلمات ونداء الأغنيات.
هذا الحبيب المستحيل، يطالعنا طوال صفحات الرواية المشوقة، بدأبه الحلمي – مثلها – بحثا عن هذه الحبيبة الذئبية، من تروي العقل وتهفو بالروح وتشبع الجسد في تلاحم أبدي. يحكي لنا عن رحلة شقائه وموت عراقه وإعدام شقيقه الكاتب المبدئي المصادم للديكتاتور وزبانيته، يحكي عن توقه وشوقه ومغامراته الصغيرة وهو يطارد هذا الصوت العشقي المستحيل الذي ينادي في هذه الرسائل من جهة (الحب) في هذا العالم.
في رسائلها إليه؛ هذا الحبيب الذي تسميه “حسن”، على اسم الروائي والشاعر الذي تعشق كتبه (حسن مطلك)، تحكي هيام (ذئبة الحب والكتب) قصة العراق، قصة الحزب الواحد والتسلط والجبروت ثم الانكسار والهزيمة والفرار، تروي انهزامها وانهزام المثقفين، خيانتها وخيانتهم، بحثهم عن المرأة – الجسد وبحثها عن الحب والكمال والحلم. تروي سيرتها بكل تفاصيلها المرعبة والمفرحة وتلك التي ظنت فيها أن الحب مع الرجل الذي أمامها أو ذاك الذي يأتي تاليا وبينهما زوجها الأكاديمي المنسحب الى زاوية أكثر رجعية يوما في أثر آخر.
تفور الرواية بالمعنى، تنبش في سيرة النساء وألمهن وزاوية سوء الفهم القمعية التي يحشرن فيها، كما تقدم صوتا وحيدا يصرخ من أولها إلى آخرها مناديا فقط بـ (الحب) والمزيد من (الكتب).