الرحلة من مدينة نيويورك لواشنطن بالباصات لا تدافع بالمناكب ولا تسابق بالأرجل فذاك يقلب صحيفته وبيده الاخرى يزحزح شنطته وتلك علقتها علي ظهرها وغاصت بين دفتي كتابها … وما أن قطعنا نصف المسافة فاذا صوت جهوري يرفع الأذان وبالكاد وجدت هاتفي جارتي بالمقعد لم أحسب أنها تتحدث العربية بضحكة قالت ” هذا وقته ” وعجوز بالمقعد المقابل ملامحها تدل أنها امريكية أب عن جد لم تكترث أصلا لوجودنا ولا لرنين هاتفي المبرمج بصوت الاذان فجل اهتمامها صبته علي قطتها المدللة ..
من يسافر وتكون وجهته البيت الابيض ومهما اجهدته الرحلة يصل بنشاط وحيوية فما بال تشوقي لرؤية هذا الذي يحدثنا كبار قادتنا أنهم دخلوه وتنقل لنا تلفزيوناتنا مراسيم أستقبالهم حتى ولو وقفوا ببواباته او دخلوا لقاعاته الخلفية او استقبلهم حراسه او أحد المكلفين بملاقاة غير المرغوب بهم من قبل الجالس علي كرسي المكتب البيضاوي بهذا البيت الأبيض ..
ساعتان بالبص وبأقل من الربع ساعة كنا بالشقة وبما ان زيارتنا لنيويورك كانت في شهر رمضان المبارك قررنا الخروج مباشرة لزيارة الجميل والمستحيل خطبة وده مع ساستنا وسانحة للإفطار باي مطعم.. وصلنا لساحة خضراء تسر الناظرين و بأغصان أشجارها الوفيرة عصافير ملونة وكنب فخيمة مواجهة لحرم البيت الابيض الذي يجلس بكل فخامة وكبرياء وآنفة أقرب لغطرسة من يديرون عقارب سياسة العالم من بين أصابعهم كما يلاعبون قطع الشطرنج وهم يدخنون السيجار الفاخر او يحتسون مشروباتهم المعتقة وشرقنا الحبيب يحبس أنفاسه تتبعا لمن سيجلس في ذلك الكرسي المسنود ظهره بذلك المكتب البيضاوي الذي لا يصله إلا من جاء بانتخابات هي بقرار وبكلمة الشعب فردا فردا أنه حق أصيل وبالقانون لكل فرد ليقول كلمته ويصل صوته لصندوق الانتخابات والذي يمكن ان يكون علامة فارقة تعدل الميزان ولا تسمح بتأرجح كفته ولا تنتقص من اعداد اصحاب الحق لانهم شركاء فعليين وليس كمبارس وممثلين كالدمي والمهرجين ..
لا مجال للتزوير ولا لخج الكيمان ولا لاحزاب فكة وترضيات كما في عالم ساس يسوس بدولنا التي لم تأخذ من نهج وفلسفة الممارسة الديمقراطية إلا قشورها وهندسة قصور الحكام وأفقرت البلاد فأطرت لما يعرف بالتزوير والغش والترضيات المدفوعة الثمن لصغار النفوس فقط ليجلسوا بالقصور الشبيهة للبيت الابيض البعيدة عن ممارساته فباتوا يسرقون قوت الشعب المسلوب الارادة وكل من هب وزمجر لاقتلاع الفسدة والفاسدين استبدلوه مرة اخرى وبمسرحية متقنة و بوجوه آخر وملامح مختلفة لكنهم يحسنون صورتهم ويختارون تغييب الشعب فقط بلعبة اخرى احكم نسج خيوطها وهكذا تدور الدوائر ليهب الشعب مرات ومرات ويخضب الشباب بدمائهم الطاهرة بقاع الارض فما ارخص دماء الشهداء في بلادنا العريضة وأغلى لقمة العيش والدواء بها … أحمد الله ان اتاح لي التجول حول هذا المبنى الابيض ولم أكن أصلا أطمح لدخول قاعاته الخلفية كقادتنا الفقراء لفن الحكم والإدارة الملهمة يكفيني ان استنشق الهواء العليل بساحته وان أكحل أعيني بجماليات هندسته وطالما اصلا لم امني النفس بالجلوس بقاعته البيضاوية فيكفينا ان من يجلس عليه جو بايدن الذي سيكون رئيسا أكثر رصانة وحنكة بعد أن يخرج ترامب الذي يصارع للبقاء كحال زولاتنا والذي خلخل كثير من الثوابت وكاد يجعل ميزان المال أغلى من الصحة فهل يا ترى ستكتمل مسارات رفع اسم السودان من القائمة الشريرة او ما يعرف بالإرهاب والتي لا ناقة له فيها ولا جمل .
عواطف عبداللطيف
اعلامية كاتبة
Awatifderar1@gmail.com