ظل العالم بأسره حبيس الأنفاس طيلة الايام القليلة الماضية في انتظار ما تسفر عنه نتيجة الانتخابات الرئاسية الامريكية بعد أن توعد الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب متحدياً بعدم تسليمه السلطة في حاله هزيمته.
وعند بدء عملية الاقتراع لجأ إلى وسيلته الإعلامية المفضلة مغرداً في تويتر معلناً فوزه في الانتخابات، وعندما أسقط في يده بإعلان أجهزة الإعلام فوز خصمه الديمقراطي جوزيف بايدن هرع مجدداً الى تويتر زاعماً بحدوث خداع في الانتخابات متهما بسرقة النتيجة.
متشبثا بموقفه الرافض لقبول الهزيمة ضارباً عرض الحائط بنصيحة زوجته ميلانيا وصهره كوشنير بالرضوخ لحقيقة فوز منافسه بايدن. ورغم يقينه الشخصي بعدم عودته مجددا للبيت الأبيض الا أن الصلف والغرور وشخصيته المتعجرفة تغالط الواقع ومتناسيا محاولات سابقة لعزله قبل اكتمال فترته الرئاسية حيث أعرب كثير من فطاحلة السياسة الأميركية إبان رئاسته بانهم ضاقوا ذرعاً بتهوره وعنجهيته، وأنه تسبب في جلب الكراهية لبلاده ولم تسلم بعض الدول من فجوره في الخصومة.
حصاد الأصوات… أعداد غفيرة وغير مسبوقة من الناخبين
هرولت الي صناديق الاقتراع وعبرالبريد للإدلاء بأصواتهم حرصا منهم لمحو ما حاق بأميركا إبان ولايته. فلا غرو أن تتمخض النتيجة بهذا الفوز الكاسح لصالح جوزيف بايدن الذي نال أصوات 24 ولاية حاصداً عدد 290 متجاوزاً الرقم الذهبي للفوز 270 بنسبة 74 مليون صوت، إذ حصل علي أعلي رقم بالتصويت لأي رئيس أميركي طيلة التاريخ الانتخابي محطماً الرقم القياسي الذي حققه سلفه الديمقراطي الرئيس باراك أوباما.. فقد ظفر بايدن ب 87% من أصوات السود و 68% من يهود أميركا و56% من النساء.
انهمرت التهاني
فور إعلان وسائل الإعلام فوز بايدن الذي نشر الفرح في كل بقاع العالم انهالت التهاني والتبريكات من الدول ومختلف ألوان الطيف السياسي، إذ بادر الرئيس الأميركي الأسبق الجمهوري جورج دبليو بوش بالتهنئة واصفاً بايدن بالرجل الجيد الذي سيوحد أميركا، كما سارعت بالتهنئة أرملة صديقه الجمهوري الراحل جون مكين، اما نائبته كامالا هاريس فقد وصفته بمعالج الجراح وموحد البلاد..
مقارنة بين بايدن وترمب
قطعا المقارنة بينهما معدومة تماماً، بل مجحفة لبايدن؛ لأن السياسة ملعبه فقد خرج من رحمها منذ أن كان شاباً يافعاً في عمر ال29 عاما ولج مجلس الشيوخ ونجح في نيل عضويته لمدة 6 دورات.ولأن سقف طموحه كان عالياً، وحلمه أكبر ترشح لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في العام 1988م وعندما لم يحالفه الحظ لم يتقوقع على ذاته، ولم يدع شبح اليأس والقنوط يتسلل إلى نفسه، ولأن جذوة طموحه لم تخبؤ سعي مجدداً مرة ثانية إلى خوض المنافسة، واكتفى بأن يظل نائباً للرئيس اوباما طيلة 8 سنوات. ولأن هدفه كان يتمدد متضخماً وحلمه أكبر من التلاشي وطموحه أقوى من الخذلان وعزيمته اعند من الانكسار ورؤيته أعمق من الاندثار. أعاد الكرة للمرة الثالثة يحدوه الأمل بالفوز في وقت هيأت له الظروف كل أدواته، وقد صدق حدسه، وحقق فوزاً مستحقاً تفوق فيه على كل من سبقوه من رؤساء للولايات المتحدة الأميركية.
قاهر المستحيل
انه جوزيف بايدن فالرجل رغم السنوات ال78 التي يحملها على كاهله، فهو لم يرضخ لقانون العمر، ولم يركن لوهن الهرم. متكئاً على خبرته وحنكته وتجاربه السياسية الثرة رفض الانصياع والانزواء في جلباب الشيخوخة متسلحاً بحيويته وإرادته وعشقه للنجاح والتحدي حتى كاد أن يكون ندا لعنفوان الشباب…
هذا الرجل رغم تكبله بالأحزان وتوشحه بالوجع لكنه لم يغرق في مستنقع الألم. فقد ظل يجتر ذكرى فقد من احبهم زوجته الأولى التي لقت حتفها في حادث سير مع صغيرتها الرضيعة في العام 1972م ورحيل ابنه بو ي العام 2015م الذي كان فخوراً به، وكان يشجعه على مواصله هدفه بخوض غمار الانتخابات الرئاسية. وقد زار قبره عقب إعلان فوزه في لمسة وفاء تعزز من إنسانيته وانتماء بايدن لعائلته…..
دونالد ترمب
فهو على النقيض تمامآ من بايدن في كل شيء.. اتسمت شخصية ترامب بالطيش والتهور والرعونة والغطرسة والتهريج والعدوانية… كما أنه يعاني من الخواء السياسي خلافاً لنجاحه في عالم المال والأعمال والاستثمار. فقد برع في استنزاف موارد بعض الدول عبر الابتزاز السياسي كما نجح في نشر الزعر والفزع في كثير من الدول.. منذ تقلده السلطة ناصب أجهزة الإعلام العداء واستهدف الأقليات الضعيفة مع انحياز سافر لإسرائيل.. وتخلي عن كثير من الاتفاقيات الدولية المبرمة مع بلاده.. باختصار عاث تخبطا وفق تغلبات مزاجه الصادمة…
إسدال الستار
يتجسد ذلك المزاج جلياً في الطعون التي قدمها الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب للمحاكم الأميركية والتي وفقا للقانون يجب البت في الطعون قبل موعد استلام الرئيس الجديد جو بايدن للسلطة.بعد أن يجتمع مجلسا الشيوخ والنواب في جلسة مشتركة يوم 6 يناير 2021م من ثم يتم إعلان النتيجة في 20 يناير 2021 م، ويؤدي الرئيس المنتخب الجديد اليمين الدستورية ويتم تنصيبه رئيسا بمراسم احتفال رسمي بشرفه كل رؤساء أمريكا السابقين الذين ما زالوا على قيد ويرأس الاحتفال رئيس المحكمة العليا، ويرحب الرئيس المغادر البيت الأبيض بالقادم الجديد للبيت الأبيض وبهذا يستر الستار على المشهد الانتخابي الأميركي للعام 2020م.