واشنطن: محمد علي صالح
يوم الثلاثاء الماضي، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا طويلا، من صفحتين كاملتين، وخمس صور، فيها دينا (ينادونها “ديدي”) السيد، ووالدها حمدي السيد، ووالدتها شذا السماني.
ركزت الصحيفة على نضال “ديدى” ضد
“التفرقة العنصرية الحديثة”، حسب وصف “ديدى.”
وكشفت الصحيفة عقدة اللون التي أصابت “ديدي.”
ولم تنشر الصحيفة أراء والدها ووالدتها عن هذه العقدة.
ولم تناقش مشكلة تحول السودانيين المهاجرين الى أميركا
من فخورين بإسلامهم، وعروبتهم، وافريقيتهم، الى مهرولين وراء الأميركيين السود
الذين يعاني كثيرا منهم من عقدة اللون.
وخاصة السودانيات الشابات، المصابات بعقدة اللون مثل
الاميركيات السوداوات، والمنغمسات في تبيض لونهن، والخجولات بسبب شعورهن.
بدا تقرير “واشنطن بوست” بعنوان طويل:
“مواجهة التفرقة العنصرية الحديثة: في مدرسة توماس جفرسون الثانوية المميزة،
وحيث يوجد عدد قليل من السود والسوداوات، رفعت واحدة منهن صوتها، وطالبت بالتنوع.”
هذه هي مدرسة توماس جفرسون للعلوم والتكنولوجيا. تقع
في انانديل (ولاية فرجينيا، بالقرب من واشنطن العاصمة). تنتمي نسبة 70 في المائة
من طلابها الى أصول أسيوية، و20 في المائة بيض، و2 في المائة فقط سود.”
كانت “ديدى” تستعد لتلقى خطابا، عن طريق
الانترنت، امام اجتماع مجلس التعليم في المقاطعة، والذي كان يناقش المشاكل
العنصرية والأكاديمية في مدارس المقاطعة
وصفت الصحيفة “ديدي” بانها “تريد ان
تقيم تجربتها على ضوء مظاهرات حقوق السود، وقتل جورج فلويد (اسود قتله شرطي ابيض
في ولاية مينيسوتا، قبل ستة شهور) … وتريد تحليل تجربتها داخل مدرستها. مثل
التعليقات السلبية التي سمعتها، والتركيز عليها كواحدة من سوداوات قليلات في
المدرسة … لقد حطمت هذه التجارب السلبية ثقتها بنفسها، وبعد ان كانت تحب نفسها،
صارت تكرهها.”
——————-
:”عنصرية
منهجية”
كتبت “ديدى” في الخطاب الذي ألقاه أمام مجلس
التعليم: “صارت المدرسة تفرقة عنصرية حديثة.”
وأشارت الصحيفة الى ان “ديدى” ليست وحدها،
وان كثيرا من السود والسوداوات في المدارس، عبر الولايات المتحدة، يشتكون من
“سيستيماتيك ريسيزم” (تفرقة عنصرية منهجية).
هذه عبارة قوية.
وينتقدها كثير من الأميركيين بأنها تصور أميركا وكأنها
عادت الى ما قبل ستينات وسبعينات القرن الماضي، قبل قوانين الحقوق المدنية.
قال هؤلاء الآتي:
أولا، لم تعد “العنصرية” توجد في إي قانون أميركي،
ناهيك عن ان تكون عنصرية “منهجية.”
ثانيا، توجد “ميول عنصرية” وسط البيض،
بالتقرب مع بعضهم البعض. وهي ميول ثقافية وتاريخية، أكثر منها عنصرية.
ثالثا، توجد أكثر “الميول العنصرية” وسط
السود، بالتقرب مع بعضهم البعض، وأيضا لأسباب ثقافية وتاريخية.
رابعا، بسبب عقدة اللون، صار السود أكثر حساسية،
وغضبا. وصاروا يشتكون من “التفرقة العنصرية” عندما يتعرضون لأقل إساءة
او احراج.
——————-
لوتري العنصرية
حسب تصريحات مسؤولين في مجلس تعليم المقاطعة، يريد كل
شخص البحث عن حلول لإرضاء السود.
لكن، يوجد اختلاف بين مسئولين بيض وغير بيض، حول
الحلول. ويوجد اعتراض على اقتراح “لوترى العنصرية”، الذي سيدخل مزيدا من
السود في المدرسة المميزة بدون وضع اعتبار لمؤهلاتهم الاكاديمية.
هذا هو اللوترى الذي تريده “ديدى.”
قالت “ديدى” ان لونها الأسود جعلها تحس
بالعزلة. ولهذا، عندما قبلتها المدرسة، حاولت تبييض لونها. وبحثت في
“قوقل” عن طرق ذلك. و”اعتبرت هذه مشكلة شخصية، تؤثر في قيمها
كإنسانة.”
حاولت تبييض لونها حتى تقل الإساءات والاحراجات
مثل يوم سألها طالب (أبيض): “اين ملابسك القبلية
التي لبستيها أمس؟ لماذا تختلف عن ملابس اخواتك السوداوات؟” (كان الطالب يقصد
يوم لبست الثوب السوداني).
ومثل يوم تجمع حولها ستة طلاب (من البيض)، وقالوا انها
تشبه طالبة أميركية سوداء. وسألوها إذا كانت قريبتها. توترت، وغضبت، وتركت المكان.
—————–
تبييض الوجه:
بحثت “ديدي” في “غوغل” عن مختلف
أنواع البدرة، والكريمات، لتبييض الجلد. ووجدت كريم “هانى ليمون” (عسل
وليمون).
لكن، لسوء حظها، وخلال 24 ساعة، انتشرت على جسمها بقع
قبيحة. فزعت، وذهبت الى والدتها، التي غضبت عليها، وحاولت وقف البقع. ولحسن حظها،
اختفت البقع قبل أيام قليلة من بداية العام الدراسي الجديد.
خافت ان تزيد النظرات الفضولية والدونية نحوها إذا
كانت سوداء، وأيضا على وجهها بقع قبيحة. طبعا، اختفت البقع، وبقي لونها الأسود.
تغيرت “ديدى” بسبب التطورات السياسية،
والمظاهرات، وقررت ألا تصمت، وان تتكلم. وفعلا، في خطاب أمام لجنة التعليم في
المقاطعة، قالت: “انا في السنة النهائية، وخلال هذه السنوات الثلاث، في هذه
المدرسة، عانيت من كل أنواع التفرقة العنصرية، المباشرة وغير المباشرة.”
طبعا، لم يكن هذا رايا جديدا، لكنها قالته لأول مرة
علنا، وهي تخاطب كبار المسئولين التعليميين في المقاطعة.
——————-
مزيد من “التفرقة”:
بعد خطابها أمام مجلس التعليم، انهالت عليها رسائل
التأييد من زملائها وزميلاتها.
لكن، انتقدها والدا طالبة معها في المدرسة (كلهم من
البيض). ونشرا رايا في مجلة محلية الكترونية. لم يكتبا اسم “ديدي”، لكن
كان واضحا انهما يقصدانها.
كتبا عن “طالبة سوداء تريد تبييض جسدها.”
وعن “انتشار استعمال مسحوق “هانى ليمون” (نكهة عسل وليمون).
سبب هذا التعليق صدمة جديدة في قلب “ديدى.”
وأعلنت للجميع: “انا الطالبة السوداء الوحيدة
التي تحدثت امام مجلس التعليم. لكنى لم اتحدث عن نفسي. تحدثت بالنيابة عن الذين
ظلوا يعانون من الظلم والتفرقة منذ عشرات السنين في هذه المدرسة.”
وقالت لصحيفة “واشنطن بوست”: “خرجت من
سجن بنيته لنفسي، ولن اصمت بعد الآن، سأتحدث بصوت عال كلما سنحت لي الظروف.”
——————-
الوالد:
نشرت الصحيفة قول “ديدى” بأنها “كانت تسمع
نصائح والدها بألا تضع اعتبارا للشتائم العنصرية. وانه، بمرور الزمن، سيصاب الذين
يشتمونها بالملل. وسيكفون عن شتيمتها. لكن، لم تتوقف الشتائم. ولهذا، قررت ان
تتحدث علنا عن هذا الموضوع.”
حسب نصيحة والديها، كان يجب عليها فقط ان تركز على
دراستها. وفعلا، كانت طالبة ممتازة، ولم تقل علاماتها عن “ممتاز.”
لكنها قالت ان عقدة اللون بدأت معها منذ ان كانت
صغيرة. وأيضا عقدة انها سوداء. لأن سواد لونها، كما قالت، معناه “انا كسلانة،
وغبية، وقبيحة.”
أخيرا، لم تنشر الصحيفة راي والدها، او والدتها، في
عقدة اللون هذه التي أصابت بنتهما. ولم تسمح لهما ليقولا ان الشعب السوداني لا
يعاني من عقدة اللون. وان اللون ليس جزءا من هوية الشعب السوداني. وانه شعب فخور
بدينه، وبعروبته، وبافريقيته.
لكن، طبعا، توجد هوة واسعة، وعميقة، بين جيل
السودانيين المهاجرين، وجيل أولادهم الأميركيين، وبناتهم الأميركيات.
وذلك لأن الشرق شرق،لتان= والغرب غرب.