يرى كثير من المراقبين أن المعارك التي اشتعلت في الجارة إثيوبيا، ما بين الجيش الفيدرالي الاثيوبي، وعناصر من القيادة الشمالية لهذا الجيش ينتمون لقومية التقراي، مرشحة للاستمرار والتحول إلى حرب أهلية.
مع أوضاعنا الهشة، سوف تكون مثل هذه الحرب ذات آثار كارثية على بلادنا، من النواحي الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية والديموغرافية. وقد بدأت هذه الآثار بظهور طلائع اللاجئين الاثيوبيين المكونة من عدة آلاف متوجهة لولاية القضارف الحدودية، مما أدى بحكومة ولاية القضارف لإطلاق نداء للحكومة الاتحادية بالخرطوم وللمجتمع الدولي للمساعدة في استيعابهم.
خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي دارت رحى حرب أهلية شرسة داخل اثيوبيا، شملت كل الأقاليم الاثيوبية المتاخمة للسودان، كما شملت إريتريا التي كانت إحدى الأقاليم الاثيوبية آنذاك ونالت استقلالها نتيجة لهذه الحرب في 1991.
في تلك الفترة كان هناك تحالف ما بين جبهة تحرير شعب التقراي برئاسة ملس زيناوي، والجبهة الشعبية لتحرير اريتريا بقيادة أسياسي أفورقي. نجح هذا التحالف في كسر شوكة الجيش الاثيوبي وتمكن من دخول أديس أبابا منتصراً.
دفع السودان ثمناً غالياً من جراء الحرب الأهلية الاثيوبية حينذاك وتدفق اللاجئين على أراضيه، والذين كانوا بمئات الآلاف تم استيعابهم في عدد كبير من معسكرات اللجوء في الشجراب وود الحليو وود شريفي والقربة وغيرها. وأقامت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين رئاسة مكاتبها بالسودان ومخازنها الرئيسة بمدينة الشواك الواقعة شمال شرق مدينة القضارف، على الطريق القومي الخرطوم- بورتسودان.
بعد انتهاء الحرب وانتصار الثوار برز الاقتصاد كأهم محور من محاور التعاون الاستراتيجي بين السودان واثيوبيا، وكانت البداية الطريق البري الرابط بين القطرين القضارف- دوكة- القلابات. تابع الرئيس الراحل ملس زيناوي بناء هذا الطريق كيلو كيلو وكبري كبري بنفسه لأنه يعرف أهميته الاستراتيجية إذ كان هو طريق الامداد الرئيسي لجبهة تحرير التقراي التي كان يقودها، ولعله تنبأ بالحرب الحالية.
توالت أوجه التعاون بعدها بتوقيع اتفاقية استخدام ميناء بورتسودان بمزايا تفضيلية لأثيوبيا، واتفاقية الربط الكهربائي، واتفاقية الاتصالات عبر المايكرويف ثم الالياف الضوئية، واتفاقية الامداد البترولي، حيث كان السودان ولوقت قريب يغطي حاجة أثيوبيا من البنزين بتصدير بنزين من مصفاة الخرطوم يعبر براً لأثيوبيا بما قيمته عشرة ملايين دولار شهرياً.
نتيجة لبعض التفاهمات ما بين النظام السابق في السودان، والرئيس الراحل ملس زيناوي، تم غض النظر عن وجود آلاف الاثيوبيين في السودان في الفترات التي تلت الحرب. وذلك على الرغم من أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أعلنت انتفاء أسباب اللجوء، وقامت بتصفية المعسكرات التي كانت تشرف عليها. ولعل نقص العمالة الزراعية في الولايات الشرقية كان من دوافع عدم مضايقة الاثيوبيين المقيمين بدون وجه شرعي. إلا أنه رصد تسرب اللاجئين الاثيوبيين لداخل المدن السودانية، حيث عملوا في المطاعم والكافتريات، وكسواقين لوسائل النقل المختلفة، وعملت الفتيات في الخدمة المنزلية.
مع ظروف الحرب التي استجدت في اثيوبيا قد يكون من المناسب حصر الاثيوبيين وتصنيفهم، ومراقبة انتماءاتهم وتحركاتهم، حفاظاً على الأمن القومي السوداني. والله الموفق.