هل من ضمن وظائف الصحفي ابداء الرأي الشخصي في السياسات والاستراتيجيات والقرارات الحكومية المختلفة، وبخاصة التي تمس الناس في؛ أمنهم، وقوت يومهم، وتعليم أبنائهم، واسعار سلعهم الاساسية، وغير ذلك من القضايا التي تثير اهتمام الناس؟
الصحفيون، العاملون بمختلف وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، سيختلفون حتمًا في الاجابة على السؤال، وهذه طبيعة الاشياء.
أما عني شخصيًا، فأنا من مدرسة صحفية، ترى أن قمة الانصاف والموضوعية الصحفية ألا يكون للصحفي رأي شخصي في أي مسألة عامة، وألا ينحاز إلى طرف مقابل طرف. وأن يقتصر دوره على ما اختصه المجتمع به من وظيفة اتصالية، تتمثل في تزويد الناس بتدفق دقيق وشامل وكامل وموضوعي من أخبار محيطهم، وشرحها وتفسيرها وتحليلها ومتابعة تطوراتها، بالحوار، والتقرير، والتحقيق، والصور والرسوم.
تفسير المجريات ليست مهمة الصحفي، وإنما هي مهمة الخبراء والمختصين والمشرعين. مهمة الصحفي هي في الالتقاء بهؤلاء، من مختلف الاتجاهات السياسيةوالتوجهات الفكرية، وتوجيه الاسئلة لهم، واتاحة الفرصة لهم للتعبير عن آرائهم ووجهات نظرهم، مسنودة بما يرون من الاسانيد، ثم نقلها في انصاف وعدالة للقراء.
وإجراء الحوارات وطرح الاسئلة هي بعضٌ من أهم المهارات الأساسية التي يكتسبها الصحفيون خلال سنوات اعدادهم بكليات الاعلام ودورات التدريب المهني وداخل صالات التحرير. وبمثلما يُدربون على تقصي الأخبار وتحري عناصرها وكتابتها مكتملة، فأنهم ايضا يتلقون معرفة بالتحقيق الصحفي وطرق اجرائه وجمع معلوماته وتحري دقتها والتأكد من صدق مصادرها.
بهكذا منهج تؤدي الصحافة دورها ورسالتها؛ مصدر معرفة، ومساحة تثقيف وترفيه، ومهنةً ذات قواعد واصول. أما غير ذلك فهي مجرد لهو.
وللأسف، أن كثيرًا من الصحفيين السودانيين، كبارهم وصغارهم، وبخاصة الذين ولدوا ونشأوا وتربوا خلال سنوات الانقاذ، يخطئون حين يعتقدون أن حرية الرأي تعني حرية الصحفي في قول ما يريد. حرية الرأي، في جوهرها تعني حرية الصحفي في نقل مختلف الآراء ووجهات النظر واتاحتها للجمهور العام، دون قيد، الا من قانون، تمكينًا للناس من معرفة ما يجري داخل مجتمعهم. فالناس لا تشتري الصحف، لمجرد قراءة وجهات نظر صحفيين يخوضون، في ما يعرفون وما لا يعرفون، الناس تشتري الصحف وتستمع لنشرات الاخبار من اجل الاستماع لآراء الخبراء والمختصين والعارفين حول ما يشهده محيطهم من مجريات واحداث وسياسات وقرارات. انهم يبحثون عن التوازن واليقين.
الصحافة استقصاء عن الحقيقة، ومن لا يستقصون ليسو بصحفيين. فالصحافة التي تخلو من الخبر الجديد والحوار والتقرير والتحقيق، صحافة ميتة، ولذلك ماتت الصحافة في السودان، وما عاد لها من دور، متحولة الى مجرد وريقات صفراء تحمل آراءً وانطباعات رؤساء تحريرها وكتابها وهم يدبجون المقالات واعمدة الرأي في ما يعرفون وما لا يعرفون.
وما هكذا تُورد الإبل.