عادات وسلوكيات تطغى كثيراً على أدائنا في الحياة. من تلك العادات والسلوكيات إدماننا التعليق على الناس والأشياء مما يحفز على طرح سؤال للنفس: هل نحن كائنات مُعَلِقة؟ وبلغة أخرى تتقن وتجيد صناعة التعليق فقط؟ التعليق على أي شيء؟
ملوك وسادة التعليق نحن كما نبدو، ننتظر الأشياء حتى تتكلم هي ثم نذهب للتعليق عليها بدلاً عن تعليمها الكلام. وأسهل ما نعلق عليه يكمن في السياسة والاقتصاد والطقس، والظواهر الاجتماعية، وتبادل أخبارها.
قد لا أشتط إذا قلت إنَّنا نعيش حياتنا كمعلقين على الأشياء وليس كمغيرين لها أو محولين لطاقاتها، وبالتالي أوضاعها. وفي ذلك، ومن ضمنه معالجة الواقع كمادة، نمارس متعة الفرجة عليها دون تعديلها.
في هذا وذاك، تنشأ عدة أسئلة ربما تحول بعضها إلى اتهامات تتعلق بكسلنا الجسدي والذهني بتواطؤ مع أساليب ووصفات التربية في علاقتنا بالمكان، وربما بتواطؤ بين المكان والطقس، وبين الطقس والمكان والثقافة.
هل هو كذلك، أم أنَّ هنالك قدرات معطلة لدينا وممنوعة عن الاستخدام في الجانب التطبيقي، وفي مقدمته ممارسة التفكير الابتكاري أو الإبداعي، والذي لا يتم إلا من مدخل النقد العملي بصفة أساسية، وليس مجرد التعليق الذي يحول المعلومات عن الأشياء كمادة خبرية اصطلح السودانيون على تسميتها مؤخراً في العقود الأخيرة بـ (الشمارات) التي تتكون من لحظة إثارة الفضول حول أو عن شيء أو إنسان ما لحظة الامتلاء الخبري عنه، فتصبح تلك عادة تدور رحاها بين إثارة الفضول وامتلائه، فتتحول العادة إلى إدمان يتحول هو بدوره إلى أسلوب حياة يعادي ويكره التفكير النقدي والابتكاري والتجديد، وكل ما له علاقة بتغيير مادة الواقع والحياة على النحو الإيجابي؟
ولا غرو أن نجد أنَّ المطالبين والممارسين لذلك النوع من التفكير التطبيقي هم أشد الناس تهميشاً وكرهاً من الغالبية في المجتمع.
وقفت في حياتي على ملاحظات قاتلة كثيرة، وشهدت تبدد الكثير من الطاقات والموارد البشرية النافعة، والتي كان من المؤمل أن تنجز وتساهم في إحداث تغيير بسبب دمغها ووصفها بالوصفات السالبة كـ (متفلسف) و(فلان ده منظراتي ساي) أو (صعب خلاص) أو حتى (زول الله ساكت).
لماذا كل هذا العمى عن الحياة في أهم أفكارها ووصفاتها بجعل الحيوية في التطور والبناء المستمر الذي يقوم على مبتدأ الهدم أولاً؟
لماذا لا نهدم ما يستحق الهدم بالتجاوز ووضع بديله؟
لماذا لا نتخلص من الأساليب فاقدة الصلاحية في التفكير ونشجع بناء أساليب جديدة بتأسيس سلطة العقل والتفكير العلمي، وعدم القبول بالنتائج والمعلومات إلا بقدر حاجتنا للتطور، ورغبتنا في إحداثه، فلا نبني علاقات مقدسة معها وبها؟
لماذا نحتفي بالحياة بأثمان زهيدة ولا نجعلها تحتفي بنا في سياقات التطور وصناعة الأفكار التحويلية لمادة الواقع؟
هل محتوى التعليم النظري في جملة نواحيه – تعليم الحفظ والتلقين والخوف من إثارة الأسئلة الجريئة المحرجة؟
هل هي غلبة التفكير الأدبي وسيطرة الأدب وحاملته اللغة (المحروسة بالقداسة) كأداة توصيل للأفكار؟
هل هو محتوى التعليم الديني ومدارسه المعتمدة لدينا منذ الدولة السنارية وقدسية النماذج والأشياء بحيث تصبح ممنوعة من النقد؟
هل هو الطقس الحار في أغلب شهور السنة؟
هل هي السلطات الاجتماعية التاريخية ومؤسساتها الاقتصادية والسياسية المتوالدة المستنسخة والقادرة على التحور وإعادة إنتاج نفسها بأشكال مخادعة؟
لا أنحاز لأي التساؤلات أعلاه أو الإجابة عنها بنعم أو لا، إذ إنَّ الإجابة بـ (نعم) هي ضرب كذلك من الكسل والعجز الذهني. بل قصدت أنَّ كل ما سبق إثارته، وإذا لم نضع إجاباتنا عنه والعمل على معالجته فسوف يظل الهرم على ما هو عليه مقلوباً منذ مئات السنين، وتغدو الأماني بإحداث التطور العام ومنه السياسي والاقتصادي مجرد أوهام تتخذ سلطاتها وتفسد عقولنا بأساطير الحياة وليست الحياة في دلالتها الواقعية الحيوية المتجددة