تقرير: سيبويه يوسف
عندما أشارت الساعة العاشرة من صباح الأحد (15 نوفمبر 2020م)، لامست طائرة “بدر” للطيران مدرج مطار الخرطوم تحمل علي متنها رئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، ونائب رئيس الجبهة الثورية، رئيس مسار الوسط التفاوضي، التوم هجو، فكانا أول من يصل من قادة الجبهة الثورية، ولم تمض نصف ساعة حتي حطت الطائرة الرئاسية التي تحمل علي متنها قادة الجبهة الثورية يتقدمهم رئيس الجبهة الثورية د. الهادي ادريس، ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان/قطاع الشمال مالك عقار، ورئيس حركة العدل والمساواة د جبريل ابراهيم، وسرعان ما تحوّل مطار الخرطوم إلى ساحة يختلط فيها الزي العسكري بالأزياء الشعبية المميزة للسودانيين، بجانب قرع الطبول والرقصات الشعبية المختلفة التي تمثل الأطياف الاجتماعية والقبلية كافة في السودان .
توجس وتحذير
منذ أن جرى الإعلان عن وصول وفد قادة الجبهة الثورية وتكوين اللجنة العليا للاستقبال، شهد السودان حراكاً فاعلاً ومحموماً بين قواعد الجبهة الثورية، وبدأت حركات الكفاح المسلح في سلسلة من الندوات السياسية، والطوافات الإدارية التي شملت ولايات السودان كافة، ومن أميز المؤشرات التي صاحبت هذه الندوات ما حدث في ضاحية الحاج يوسف بالخرطوم بحري، عندما داهمت مجموعة مسلحة تتبع لحركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور علي ندوة سياسية قامت بها حركة تحرير السودان مجموعة الهادي إدريس، مما تسبب في إصابة عدد من قادة المجموعة من ضمنهم الناطق الرسمي ونائب رئيس هيئة الأركان أحمد جدو، وعدد من قيادات الحركة.
وهذه الحادثة رسخت ملامح القلق علي المشهد السياسي بتصعيد يتجدد بدخول قوات مسلحة للعاصمة مع وصول قادة الجبهة الثورية، وفي الوقت ذاته الذي أصدرت وزارة الصحة الاتحادية تحذيراً قبل يوم من الاحتفال المعلن في ساحة الحرية من تداعيات تفشي جائحة كورونا الموجة الثانية، وطالبت باتخاذ التدابير الصحية، وعدم التجمعات والتباعد الاجتماعي، ورغم كل تلك المخاوف تمكّنت تنظيمات الجبهة الثورية من حشد الآلاف من عضويتها منذ الساعات الأولى من صباح الاحد، فيما توزعت الأعلام بشكل تنافسي امام المنصة الرئيسي، كأنما هذا التنافس “بروفة” لجولات تنافسية أخرى في كواليس العملين التنفيذي والتشريعي.
تشاكسات وتطمينات
أجمع المتحدثون الذين خاطبوا الجموع التي لم ترهقها الشمس، ولم يهزمها الانتظار الطويل، أن المرحلة المقبلة تعدّ نهاية مطاف الصراعات والحروب، وأن ثمن السلام جاء ممهوراً بدماء عزيزة، وأن سودان الغد حتماً لن يشبه سودان الماضي، ورغم ذلك ارسل بعضهم إشارات مبطنة بمثل ما قال رئيس الجبهة الثورية د. الهادي إدريس عن حادثة إطلاق النار على ندوة الحاج يوسف، وعدم السماح بمثل هذه التفلتات، وقال رئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي أن المرحلة لا تسمح بالتشاكسات السياسية، وهذا رسالة مبطنة لقوى الحرية التغيير التي دخلت في صراعات خفية مع قادة الجبهة الثورية، وسبقها بلحظات انسحاب قادة الثورية من المؤتمر الصحفي في أثناء كلمة ممثل الحرية والتغيير، وهذا ما يشير إلى أن العواصف لاتزال تحجب الرؤية، وما انعكس علي هتافات معادية لشخصية القيادي بالحرية والتغيير إبراهيم الشيخ، عندما هتفت مجموعة مناهضة لسياسة قوي الحرية والتغيير في أثناء خطاب ابراهيم الشيخ، ولم يتجاوز نائب رئيس المجلس السيادي محمد حمدان حميدتي المشهد، عندما بادر بالمدافعة عن الشيخ مخاطباً الحشد: “ما تظلموا الرجل، ابراهيم الشيخ أكثر المعتدلين في الحرية والتغيير”، وما حدث في ساحة الحرية يشير إلى مواجهات أخري ربما تطل برأسها في غضون الأيام المقبلة . نامت الخرطوم هادئة بعد نهار صاخب، اختلطت فيه المخاوف بالأمنيات، وتنفست الشوارع الصعداء بعد أن بدت هادئة وانسابت حركة المرور بسهولة، وكانت الحكومة استبقت ذلك بإعلان اجازة رسمية للاحتفال بقادة السلام.