ما أجمل المنظر من خلف النوافذ الزجاجية، وما أروعه
حين يكون من على ارتفاع خمسة وثلاثين طابقاً.
يا ترى!! بماذا كان يفكر المعماري الذي صمم ناطحة
السحاب هذه؟!
لابد أنه فكر في إمتاع البائسين أمثالي، الذين
يشاهدون العالم من بعد، دون الاختلاط بالمارة، في الدرك الأسفل من الدنيا؛ حيث
تفوح رائحة التعب والشقاء، وقد التصقت بهم أهداب الشمس من بعد عناق حار.
يباغتهم المطر تارة، ساخراً من مساحيق التجميل
الرخيصة التي يستخدمها نساؤهم، أو تبتلعهم الأتربة، ليخرجوا بعدها بشعر أشعث مغبر.
-غارت نظرتها، وقالت: رغم أني اشتقت لعبق الأرض
والعشب البهي، ورائحة الخبز التي تفوح من فرن جدتي، وطعم التوت المجفف في منزلنا
القديم.
-حينها تراجعت وكأنها تبتعد عن الأشواك. لكن لا!!
لا لن أدنو من الأرض؛ أخاف أن أتوه فيها؛ فلا أستطيع
العودة مرة أخرى.
- دنت من الهر
الرمادي مداعبة عنقه لكي لا يشي بما يسترق السمع إليه من أسرارها.
وأخبرته: ليس منهم من يستطيع امتلاك جناح فاخر مثلي،
أليس كذلك أيها المشاكس؟!
سأشعل الجاكوزي الحار لأشعر ببعض الاسترخاء بعد
الليلة الصاخبة!!
لابد من بعض الموسيقى الكلاسيكية، وقطعة شوكولاتة
سوداء فاخرة لتذوب في فمي، كما أذوب أنا كل يوم أمام هذه المرآة.
كرهت ما تمليه عليّ كل يومٍ عن شكر النعم، أيُّ نعمة
تكون في الضجر ما بين أربعة جدران زجاجية!!
السنوات كلها تقلصت في فصل واحد لا ينتهي.
ما أبشع أن تشاهد الجميع يتحرك، يتغير، ويتلون إلا
أنا!!
حتى إني قد فكرت يوماً في التعري، والرقص أمام
الجميع، لكن من هو ذاك المجنون الذي سيرفع رأسه لينظر لهذا الارتفاع المجنون.
- لملمت ابتسامتها
المتهدلة، خوفاً من لعنة التبطر.
- رفعت شعرها
بمشبك من الذهب الخالص، وأفرغت علبة كاملة من مزيج اللافندر، وخلاصة المسك في
الماء الدافئ، ثم همّت بالدخول فيه لنسيان كل ما مضى، استعداداً لليلة جديدة.
أحدهم ينقر
باب غرفتي!!
عبر الرد الآلي أجبت بالسماح .. إنها إحدى وصيفاتي.
أخبرتني أن عليّ ارتداء الثوب الأحمر، ذي الخيوط
المجدولة على الظهر، ووضع العنبر بين خصلات شعري كما أمر سيدها، وسيدي.
ثم خرجت ترثي لوحدتي!
أيقنت حينها، أنني بالفعل عارية.
مي عبدالحميد
السودان