أتخوَّف جداً أن تؤدي مُفردات (الغزل) المتوارية التي ما فتئت تظهر من حينٍ إلى آخر في خطابات وتصريحات الدكتور جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة ، لمن سمَّاهم (حكماء الإسلاميين) ، إلى رفع معنويات الإسلاميين في المؤتمر الشعبي وحركة الإصلاح الآن وربما بعض من شايع حُكم الإنقاذ في سنواتٍ سابقة عبر رفع راية مشروع الإسلام السياسي تحت ظل راية الإنتهازية المصلحية ، ومن ثم إرتفاع سقف طموحاتهم وآمالهم في العودة إلى حلبة الفاعلية السياسية من داخل مكوِّنات الحُكم الإنتقالي إنطلاقاً من مبدأ عفا الله عن ما سلف وسبر أغوار الماضي المُخزي وفتح صفحات جديدة ، مما يتناقض مع المبدأ العام الذي يُقرُ بأن بناء دعائم الفترة الإنتقالية يعتمد بالأساس على (إستمرار) إبعاد (صُناع) المأساة السودانية الإنقاذية ، شاملاً ذلك المؤتمرين الوطني والشعبي ومعهم الذين أصروا على البقاء في السفينة الغارقة حتى اللحظات الأخيرة مُراهنين على هزيمة الإرادة الشعبية ، إلى أن قال الشعب كلمته الأخيرة وإنتفض ثائراً ضد كل ما يمُت إلى الثلاثين عاماً الماضية بصلة.
إن يكون صُناع الإنقاذ والمُشاركين في تدشينها وتمكينها وحمايتها ودعمها ، خارج إطار ما يتم إعمالهُ من مُعالجات إنتقالية تستهدف الأزمة السودانية في كافة قطاعتها ، هو مطلب أخلاقي ترعاهُ الآمال الجماهيرية التي عبَّرت عنها ثورة ديسمبر المجيدة ، وذات المطلب ينتمي إلى المبدأ القائل (لا إمرة لظالمٍ ولا إستشارة) إذا إنعقد أمر الإحتكام إلى القانون في عهد العدالة والمساواة والحُرية ، ولا مكان له على الأقل في وقتنا الراهِن الذي بالكاد بدأت تظهر فيه معالم دولة المؤسسات وحيادية القانون وشمولية العدالة رغم الثغرات الظاهرة والخفية ، فدَعوتَهُم ومُغازلَتهُم من قِبل جبريل ، تماهياً مع (ذكريات) الأمس والشراكة المتأصِّلة في التوجُّه الفكري واللآ يدلوجي ، ولو عبر إستدعاء فضائل مُتفَّق حولها كـ (الحِكمة) و(التوبة) و(الندم على ما فات) ، أو ما يُطلقون عليه في مُصطلحاتهِم فقه المُراجعات ، الذي لا ينفع ولا يتناسب مع ما نحنُ فيه الآن من تداعيات وتحديات ، إلا من باب (النقد والتقويم) الذاتي لتجربتهم السياسية التي لن يستفيد منها أحدٌ سواهُم إن أرادوا بالفعل الإرتكان إلى رأييٍ سديد ، على جبريل وكافة قادة حركات الكفاح المسلح أن ينكَّبوا على تحقيق شعارات ثورة ديسمبر المجيدة على أرض الواقع ، وأن يُرجئوا أمر التحالُفات والتقاربات السياسية والمنهجية إلى ما بعد الخروج من عُنُّق الزُجاجة ، فهذا الشعب قد بلغ من الإحباط ما يمكن أن يقودهُ إلى الثورة على الثورة نفسها إن كان التراجع إلى الوراء من مآلاتها ، كما أُذكِّر القائمين على أمر أمانة الشئون السياسية والإعلامية والدعوية بحركة العدل المساواة أن وجودكم في الشارع السوداني وما يمكن أن تستقطبوه من دعم جماهيري عام ، مُرتبط هذه الأيام إرتباطاً وثيقاً بعدم إثبات ما يُشيرُ إلى (مثولِ) إنتماءاتكم السابقة للطُغمة التي نكَّلت بالعباد ودمرت مُقدَّرات البلاد ، أياً كان مُسماها وأياً كان قدر مساهمتها فيما حدث من (كراهية وبغضاء) بينهم وبين الشعب السوداني.