أولا يستبدل الشئ أي يستلمه بديلا لما بين يديه أي المستبدل مستلم مقابل نظير وليس ممنوح كمايظن كثيرون. أي ان المستبدل اقل قيمة من المستبدل به ، ممايعني تفريط متعمد في مملوك عظيم القيمة طلبا لمقابل ردئ .
وقد جاء في القرآن الكريم (قال أتستبدلون الذي هو ادني بالذي هو خير إهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم) سورة البقرة
، ولكن ما الذي استبدلناه نحن السودانيين تفريطا ، ربما دون وعي، او ربما بغفلة . ولعل إستبدالنا للذي هو أدني بالذي هو خير يظهر بوضوح في خياراتنا.. الثقافية واﻹنتماء (الهوية) وفي خياراتنا اﻹقتصادية ( إنتظار اﻵخرين وتصدير الخام ، واهدار الموارد)
وفي خياراتنا الرياضية ( التراجع واهمال التدريب بديلا للمحافظة علي التفوق والمهارة والتطوير) وفي خياراتنا السياسية (التشرزم وتعدد اﻷحزاب ) ثم في خياراتنا النضالية (تعدد الحركات المسلحة )
إستبدلنا القبيلة والجهوية والصراع التنازع حول الهوية مقابل الهوية الواحدة والظاهرة والجامعة والمعروفة بالهوية السودانية وهي خلاصة الهجين لتمازج جينات شكلت ملامح المواطن والوطن، لنرتكب بوعي او دون وعي تجاوزا لجمال الناموس الكوني الذي جعل الهجين أساسا لتخليق العناصر اﻷفضل ،فإذا كانت الماء اساس كل اﻷشياء (وجعلنا من الماء كل شيئ حي) فهذا الماء المخلوق اﻷساسي العظيم اكتشف علماء الكيمياء والفيزياء انه مخلوق هجين ناتج من تزاوج اﻷوكسجين والهايدروجي، بل أن شفرة التكوين لكافة المخلوقات هي تزاوج بين الموجب والسالب ، ولكن اﻷهم هو ان نركز دائما علي نتيجة ذاك التزاوج ونتفق علي أن كائنا جديدا تخلق كنتجة لذاك التصاهر او التزاوج، ولعل تلك هي سقطتنا المخجلة في فهمنا للهوية وتاسيسنا لثقافة مثقوبة وعاجزة عن اﻹبتكار وتوظيف التنوع .
واستبدالنا الذي هو ادني بالذي هو خير يتجلي بوضوح في وضعنا اﻹقتصادي(اغني وطن وأفقر شعب) ، ويبدو بشعا في حالنا السياسي (احزاب مستوردة الفكرة واﻹنتماء مهزوزة اﻹرادة) ويظهر غبيا في مواقفنا النضالية (الحركات المسلحة والتركيز علي النظرة العنصرية والتهميش) .
يمكننا تصحيح المسار إذا اكتشفت اﻷجيال الجديدة تلك اﻷخطاء المزمنة لتنشأة فكرة الهوية الواحدة ( سوداني) وتنهض ثقافة جديدة تدعم الهوية وتكتشف مهارات التنوع وإبتكاراته.وتترجل اﻹحزاب المحنطة وتختفي احزاب الفكرة والمسميات المستلفة من الخارج.
وتتاح الفرص للشباب ﻹستغلال الموارد اﻹقتصادية العظيمة حيث تنشأ الصناعات التحويلية ليكون الصادر متتجا سودانيا وليس صادرا من المواد الخام والتي تتحول في الخارج الي عشرات المنتجات الصناعية لندفع نحن ملايين الدولارات من أجل استيرادها.
نحن ولﻷسف الشديد مازلنا محبوسين داخل سجن اختياراتنا الخاطئة ، وثقافتنا المثقوبة واحزابنا المحنطة والمستوردة وحركاتنا المسلحة المأزومة نفسيا بالعنصرية واوهام الهوية الكذوب.. ونحتاج لثورة تخلصنا من خطأ استبدال الذي هو أدني بالذي هو خير…