بعد شهور من المواكب والمليونيات المتعددة في الشوارع قرر الشعب اخير في ٦ أبريل الذهاب الى القيادة العامة للجيش من أجل أن يستجيب الجيش ويتدخل ويعزل المخلوع، وكان هذا ايمان من الشعب بأن المسيرات والمواكب في الشوارع لن تسقط النظام ما لم ينحاز لها الجيش.
الجيش عبر ال ٣٠ سنة من حكم الانقاذ تمت أدلجته بصورة شبه كامله، وأصبحت القيادات العليا في الجيش حكرا على الكيزان و المقربين منهم، والمؤلفة قلوبهم ورغم أن عقيدة القوات المسلحة تقوم على القومية الا ان الكيزان عبر سلاح الواسطة وسلاح الدين أفرغوا الجيش من قوميته، وهو نفس ما حدث في كل مناحي الخدمة العامة المدنية والعسكرية على السواء.
بعد شهور من المواكب والمليونيات تحللت الخدمة المدنية رويدا رويدا من أدلجة الكيزان، ثم وصلت العدوى للجيش وتحلل صغار الضباط من عبء الكيزان وواجهوا الامنحية واخيرا قررت قيادة الجيش العليا التحلل كذلك من أدلجتها والانحياز لمصلحة التغيير وقامت بعزل المخلوع. قيادة الجيش ورغم انها كانت جزء من النظام القديم، إلا أنها كفرت عن هذا الجرم بالإطاحة بالنظام وعزل رأسه، وهو شأن مساو لما قامت به معظم أحزاب المعارضة التي تملأ الأرض ضجيجا فهي قد شاركت النظام في وقت ما لسنوات وقد كفرت عن جرمها ذلك بقيادة الثورة من الشارع، وبالتالي الكل أجرم والكل كفر عن خطأه ومن كان بلا خطيئة فليرمهم بحجر.
هذا هو الواقع بلا رتوش، جيش مؤدلج ولكنه في لحظة ما انحاز للشعب ونصر الثورة، وأحزاب سياسية شاركت النظام و في لحظة ما قادت الشارع، هذا هو الواقع وللجماهير التي لا تؤمن بالسياسة و تقلباتها فهذه هي السياسة وهذه هي تقلباتها. لذلك يجب على الجميع ان يعترف بالحقائق وان يبطل الكثيرون النفخة ( الكضابة)، فما يهم الشعب ليس هو الفريق الذي يحكم، وإنما الغايات التي خرج من أجلها الشعب وهي : الحرية والسلام والعدالة ، فهل تحققت؟
الحرية الآن و ان لم تصل مستوى ال ١٠٠% ولكنها في أعلى مستوياتها في التعبير والتظاهر والإضراب والتدين والخ، و هذا نجاح ساحق للثورة لا يراه الكثيرون مع انه حلم تتطلع إليه معظم الشعوب من حولنا، انظروا من حولكم لدول القارة والاقليم وسترون ما اقول.
بالنسبة للسلام تم توقيع اتفاق جوبا وقادة الجبهة الثورية الآن في قلب الخرطوم، والبندقية قد سكتت وأصبح مكان الطلقة عصفورة.. تحلق حول نافورة. ورغم ممانعة الحلو وعبدالواحد فإنهما يعلمان ان ممانعتهما ضد الثورة فعل غير سليم ولا صحيح وسيثوبون إلى رشدهم قريبا ويصبح السلام شاملا.
العدالة هي الملف الذي يعاني من البطء، و لكنه بطء ناتج من طبيعة العمل القانوني الذي يحتاج إلى الأدلة والبينات ويحتاج إلى التحري والتثبت، وبالتالي هو بطء إجرائي وليس تعطيلا للعدالة او ممارسات مقصودة لإضاعة حقوق الشهداء او حقوق المظلومين عبر تاريخ الانقاذ، وبالتالي الحديث عن ضياع الحقوق والعدالة كما يحاول البعض ايهام الجماهير هو حديث غير دقيق و يفتقر إلى الموضوعية و مليء بالهتافية والاستعجال المضر.
دولة الثورة الراهنة تشبه الثورة نفسها، فالثورة على أيامها كانت هناك مواكب تنجح ومواكب تفشل، كانت هناك أيام فيها دماء ودموع وسجون، وهناك أيام فيها فرح وهتاف واناشيد، نفس الأمر ينطبق على حكومة الثورة فهناك أيام يشعر فيها الجميع بالفرح لقرارات الحكومة ويبتهج، وهناك أيام يشعر فيها بالحزن والاحباط من الحكومة. ورغم الألم في النهاية إنتصرت الثورة وأطاحت بالنظام لأنها كانت موحدة الهدف وكان الشعب مؤمن بالانتصار، وهذا بالضبط ما نحتاجه الآن في ظل دولة الثورة أن نتوحد حول الهدف: تحقيق الحرية، السلام والعدالة. وأن نؤمن بالنصر . اما الحديث عن ثورات تصحيحية بإسقاط حكومة الثورة فهو حديث لا يخدم إلا أجندة الدولة العميقة، و لابد من محاربته وتفويت الفرصة على المتربصين و العمل على تمتين الوحدة بين الجماهير، فالوحدة و الإيمان هما طريق الشعب الصحيح لتحقيق كافة أهداف الثورة، والشعوب المتحدة لا تقهر.
sondy25@gmail.com