أعجبني جداً تصريح المناضل الجسور ياسرعرمان الذي وصف بإختصار ما تحتويه الأغوار الخفية (للمُرجفين) ، وما يُضمرونه من شرٍ وكراهية للثورة وشعاراتها ومناهضتهم المُستميتة للإرادة الشعبية التي بُذِلت من أجل تحقيقها التضحيات الجِسام ، حيث قال (إذا أردتم أن تعرفوا موقف الأشخاص من الثورة ومبادئها وأهدافها ومبدأ التغيير والتقدُّم نحو المسار الديموقراطي ، عليكم أن تعرفوا موقفهم من ملحمة إزالة التمكين وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو) ، بالفعل إنها فكرة عبقرية وبسيطة في ذات الوقت ، وتحتوي معياراً ذهبياً دقيقاً لا تقف فوائدهُ عند إكتشاف أعداء الثورة من فلول النظام البائد فقط ، بل تتجاوز ذلك إلى كشف (جوقة) الطُفيليين والنفعيين الذين طالما إعتمدت مكاسبهم المُحرَّمة على دوران عجلة فساد نظام الثلاثين من يونيو ، والتي كانت عبارة عن منظومة عريضة ومتطوِّرة من التعاملات والصفقات غير الشرعية المُعتمدة بالأساس على تجاوز القوانين واللوائح والأعراف الأخلاقية ، عبر الطُغيان والتجبُّر بالنفوذ وإقصاء الغير والحصانات الحامية من المثول أمام النظام العدلي ، الذي نال نصيبهُ أيضاً من الفساد عبر (جرثومة) التمكين في ذلك العهد البغيض.
ذات (المُرجفين) لا يصدقون أن الشعب السوداني ما زال (يأمل) في أن ينصلح حال الحُكم الإنتقالي ويتوجَّه بالبلاد إلى آفاق السلام ودولة المؤسسات والتنمية المُستدامة ، لا يصدقون ذلك لمُجرَّد إعتقادهم بأن ما يحدث من أخطاء وأزمات وضغوطات معيشية سيكون كافياً لـ (كُفر) الجماهير بالثورة وشعاراتها وأهدافها ، وذات المُرجفين كانوا من أوائل الكارهين وأشدهُم نقداً للوثيقة الدستورية ووصفوها في مقامات وأزمان مُتعدِّدة بالناقصة والعاجزة عن تحقيق مطالب الثورة وطموحات الجماهير ، غير أنهم وفي إطار (إندحياهُم) النابع من (لا وعيَّهُم) الناشط في محاربة الثورة ومُقارعة الإرادة الشعبية أصبحوا يتباكون اليوم على تعديلها وتغييرها ويتحوَّفون من تمزيقها.
ولسان حال الذين ما زالوا (يأملون) بأن تصل الثورة إلى غاياتها رغم الصعاب والهنات والأخطاء البسيطة والفادحة ، أن الوثيقة الدستورية ليست نصاً إلهياً مُنزلاً ، وقد وُضعت من أجل خدمة الوطن والمصلحة الوطنية ومطالب الشعب الذي أنجز ثورته على أكمل وجه ، وهي أيضاً شأنها شأن ما تجري عليه طبيعة الأشياء وما جبل الله عليه الكون من سُنة التغيير والتبديل بما يتناسب والمُستجدات التي تطرأ ، خصوصاً في دولةٍ هي في الحقيقة أقرب إلى طور (التكوين والإنشاء) ، فما تركتهُ الإنقاذ خلفها لم يكن دولة ، بقدر ما كان (إقطاعية) تخدم وتُغذي قِلةً من المُغتصبين لحقوق البلاد والعباد ، فلتتغيَّر الوثيقة الدستورية كل يوم طالما كان ذلك في إطار المصلحة الوطنية ، ومعها الأشخاص والمُسميَّات والمناصب ، لا يهمنا في نهاية الأمر سوى الوصول إلى سلام حقيقي ومُثمر ومُستدام ، ودولة مؤسسات تحترم القانون ، وعدالة يستفيد منها الجميع وتنمية مُستدامة ترفع الإنسان السوداني من كبوة الفقر والجهل والمرض.