شيعت دلقو بالامس رمزا خالدا فى ذاكرتها ، حيث احتضنت ثراها جسد عمنا ناصر خضر النحيل وهو الذى تشبث بأرض الاجداد طول عمره منشدا : لا تطلبوا منى الرحيل .. فنشأتى كانت هنا وهنا مماتى!!
مايضاعف خسارة فقد ناصر انه مضى الى سبيل ربه دون ان نوثق له وهو الذى كان يجلس على ثروة ( استراتيجية ) هائلة توفرت له عبر عمله لعقود فى محكمة دلقو . كان ملما بوشائج اهل المحس قاطبة ، فى سرائهم وضرائهم وتفاعلاتهم ميلادا وزواجا وموتا ، يكفى ان تسأله عن أية ارض زراعية فى طول المحس وعرضها فتتدفق المعلومات من لسانه عن ملاكها الراحلين والورثة وتاريخ تسجيلها الخ. كان عبارة عن سحارة تضم تاريخ الاحوال الشخصية لاهل المحس بحلوها ومرها لعقود طويلة !!
فقدان هذه الثروة يعنى فقدان الذاكرة فى وقت تزداد فيه محاولات طمس الشواهد الحضارية لاهل تلك المنطقة وسلبها سواء عن طريق سرقة الاثار او السدود او حرائق النخيل او الهجرة القسرية او عن طريق التحجيم المؤسسى لثقافتها بخاصة لغتها العريقة .
الفرد والمجتمع فى دلقو اذا فقدا الذاكرة لن يتمكنا من التعرف على أقلاش او مزار الشيخ مرزوق فكيف يطور ذاته من ضاعت هويته ، كيف تشيد البناء اذا كان القوم لا يدركون ان حفظ التراث هو احد الوسائل المجربة للتنمية ؟ ماذا سنقول للاجيال القادمة عن تاريخ المنطقة بدون توفير الشواهد عليه . يصيبنى الاحباط اذا ما فكرت فى كيفية جعل دلقو او المحس بخلفيتهما التاريخية مرجعية لاولادنا فى المستقبل . الحفاظ على الارث الحضارى والمعرفى لمجتمعنا هو الرابط بين الماضى والحاضر والمستقبل لكن اغلب الناس يتجاهلون هذه الحقائق !!
بح صوتنا لسنين لكى يتم تدوين افادات عم ناصر كشاهد امين على العصر دون جدوى فتراكم المعلومات هو الذى يشكل الذاكرة ، والادهى انهم يتحدثون عن التراث والحضارة والحفاظ على الهوية دون العمل الجاد على حفظ الذاكرة وتفاعلاتها مع المؤثرات الاخرى !! .
ان مايجمع بين اهل تلك المنطقة هى الاعتبارات الثقافية والحضارية. والهوية هى التى تميزهم عن الشعوب الاخرى وتحفزهم على الابتكارات وترقية الذات ..كيف فوتنا الفرصة وسمحنا لعم ناصر بان يتسرب من بين ايدينا – بكنوزه الغالية – وبيننا مؤرخ موسوعى كالاستاذ على السيد سعيد وكانب مجيد مثل الاستاذ انور محمدين ؟!
عم ناصر روح خالدة فى وجدان دلقو ، رحمه الله وجعله من اهل الجنة. وليت وفاته تكون نوبة صحيان من اجل توعية الناس باهمية التراث وبضرورة حمايته وصونه من الاندثار.. ذاكرة المحس المتراكمة فى خطر وان الاوان للعناية بها كون الشعوب بلا ذاكرة هى شعوب بلا مستقبل !!