لا أعرف ثورة كثورة ديسمبر وضعها خصومها في زاوية الدفاع المعجل عن نفسها في حين جاءت للهجوم وزعزعة أوتاد القديم. فكانت هجمتها لتغيير المناهج هجمة مرتدة. ولم تجد لجان المقاومة وجيعاً في مركز قحت فتيتمت في لغو الثورة المضادة وكذِابها. وجاء الآن دور لجنة إزالة التمكين تهجم عليها الفلول تحت غطاء خطاب قادة الجبهة الثورية التي سالمت ونبت لها ضرس العقل في الدقائق الأخيرة.
معروف أن الخطة الدفاعية أضعف الخطط قاطبة. ويزيدها ضعفاً إن لم يَِجدها المرء على ضعفها. فأشاعت الفلول في معرض حفرها من تحت للجنة إزالة التمكين أن القضاء وحده هو الذي تختصم أمامه الحكومة مع من تتهمهم بالفساد. وهذه فرية كبري. فللحكومة حق مصادرة أموال السحت بغير انتظر للقضاء. وتسألني من أين لي هذا الجراءة على الفتيا في القانون وأنا لست في قبيل الحقوقيين: أقول لك.
توقفت منذ مدة عن طلبي المعرفة بالمجتمع الأمريكي من معلقي القنوات الفضائية. تشبعت. وانصرفت إلى برامج الجريمة مثل “أمريكان قريد”. وأقول عرضاً أنى أزداد معرفة بالمجتمع لأمريكي كما لم يحدث لي منذ أدمنت قراءة الرواية الأمريكية في مطلع الشباب.
وشهدت قبل أيام وثائقية عن فساد ريتا كروندول المراقب المالي لمدينة ديكسون (١٥٠٠٠ نسمة) بولاية إلينوي من ١٩٨٣ ألي ١٩٩١. فاستولت كروندول على ٥٣ مليوناً من الدولارات بفتح حساب للمدينة تحول ما تودعه فيه لحسابها الخاص. واستثمرت مال السحت هذا في صناعة خيول السباق بشكل رئيس علاوة على العقار والأبعاديات والسيارات بينما كانت المدينة تُقتر على نفسها لقلة الموارد. والهم ذلك التباين القاضي الذي مثلت أمامه ليقول لها: “كنت تعيشين أحلامك على حساب مدينة تفتقر”. وانتجت هوليوود فلماً عنوانه “All the Queen’s Horses” عن هذه اللصوصية التي قيل إنها أكبر فضيحة مالية لمجلس مدينة أمريكية.
جاء في خبر جريمة هذه المراقبة المالية بيع أملاكها بالمزاد وفيها ٤٠٠ حصاناً. وسألت نفسي، وفي ذهني لجنة إزالة التمكين، إن تم استيلاء الحكومة على موجودها بعد المحاكمة أو قبلها. ووجدت نفسي أتورط شيئاً في قوانين الحجز والمصادرة “forfeiture and seizure” الأمريكية لا يدي لا كراعي. وخلاصة علمي أنه من حق الحكومة، ممثلة في وزارة العدل، ألا تنتظر القضاء قبل أن تضع يدها على موجودات من حصل على ماله سحتاً.
المال بنظر قوانين الحجز والمصادرة مالان: ملوث وغير ملوث. والمثل على المال غير الملوث هو حساب بنكي أودع فيه المتهم ماهيته حلالا بلالاً. أما المال الملوث فهو ما حصل به عليه بطريق الإجرام أيا كان. ومن قبيل المال الملوث السيارة التي يستقلها المجرم ليغادر مسرح جريمة المال. وكذلك المال المسروق والمستلم من آخر. وأن اشتريت بمثل هذا المال بوليصة تأمين على الحياة مثلاً كانت البوليصة مالاً ملوثاً. ومن المال الملوث ما يكتنزه شخص مثل كروندول (ماهيتها ٨٠ ألف دولار في السنة) التي فرطت في الأمانة وفحشت في الثراء والراحات. وهذا مال الإنقاذيين الخالق الناطق.
ونقف هنا لنرى سلطة القضاء في حالتي المال المذكورتين. فلا سلطان للحكومة على المال غير الملوث إلا بكلمة من القضاء. أما في حال الملوث فلوزارة العدل أن تحجز عليه قبل محاكمة المتهم. ويكفيها بيان منها للقضاء باحتمال ارتكاب الشخص المعني لجريمة وأن المال الذي بحوزته ملوث لارتباطه بتلك الجريمة. وتختلف قوانين الولايات بينها حول وجوب حتى مثل هذا البيان للقضاء. فقوانين ولايات ديلوار وماساشوستس وواشنطن عادة لا تلزم نيابتها العامة بالحصول على حكم قضائي بالإدانة قبل مصادرة الأموال والمنقولات. ولم تحتج وزارة العدل للقضاء لتصادر في ٢٠١٧ مبلغ ٥٤٠ مليون دولار من شركة ماليزية مملوكة لدولتها لغسلها الأموال في الولايات المتحدة. وجملة ماصادرته الوزارة في ٢٠١٧ كان ٨ فاصل ٢ بليون دولار بزيادة ٦٠٠ مليون دولار عن سنة ٢٠١٦ (٧ فاصل ٦).
لا أعرف كيف يريد لنا الفلول ومن تبعهم بغير إحسان أن نعد مال رموزهم والعقار الفاجر الذي صك أسماعنا كسباً حلالاً لا ينقضه إلا القضاء. لو صح هذا لامتنعت الدولة الأمريكية من وضع يدها على موجودات السيدة كورندول، بماهيتها ذات الثمانين ألف دولار، في انتظار القضاء. فمال الإنقاذيين المصادر سحت بَين لدولة السفهاء منا. وهو مستباح للدولة التي خرج من خزائنها بخفة يد شيطانية. ومع ذلك وفر قانون إزالة التمكين للمعترض الاستئناف ثم القضاء. ولم تنعقد لجنة الاستئناف مما هو فضيحة ثورية أو “كجار” ثوري طعنت في مشروعية اللجنة جزافاً.
صريخ الفلول عن أن أموالهم حرام علينا إلا بحكم القضاء تمحل. فنظم أفضل منا في الحقوقية مثل أمريكا تتعقب مثل اكتنازهم المال بإجراءات إداريه كما قدمنا. ويأتي القضاء بآخرة كما جاء قاضي السيدة كورندول لا مكاء وتصدية بل ل”يردمها” بفطرة العدل والشفقة على الخلق: “لقد عشتم أحلامك طولاً وعرضا على حساب وطن يفتقر”.