رحل السياسي .. الخبير .. الحكيم.. القيادي المعتدل ، المفكر ، المؤلف لأكثر من مئة كتاب ، الإنسان .. وصاحب القلب والعقل الذي يحب التسامح.. ويكره سفك دماء السودانيين .
رحيل الصادق خسارة كبرى، لنا ، نحن أحبابه وحبيباته ، اذ كان ملهما بفكره ووعيه وتجربته النضالية ..مثلما كان قاسما مشتركا يجمع الشمل .
رحيله خسارة كبرى لوطنه السودان.. الذي أحب.. وقد رحل في ظروف بالغة الدقة والتعقيد.. والوطن في مسيس الحاجة الى أدواره الداعمة للانتقال الى نظام ديمقراطي منتخب .
فقده معظم السودانيين ( أقول معظم السودانيين لأننا بشر ).
من فقدوه وهم ملايين من البشر (أحبابه وحبيباته والمنصفون) .. هؤلاء فقدوا وسطيته واعتداله وحرصه على ان يدخل السودانيون بتوافق وسلام الى مرحلة الانتخابات بعد الفترة الانتقالية ،بعدما نجحت ثورة الشعب السلمية الباهرة .
خلال الأيام الماضية إرتفعت أكف سودانيين تدعو الله له بالشفاء.. قرأنا حروفا صدرت من عدد من السودانيين ممن يخالفونه الرأي..وعبرت عن دواخل خضراء.
قرأنا حروفا مضيئة مؤثرة سطرتها قلوب وعقول أنصفت الرجل .. وسنقرأ وسنسمع تعليقات تصب في هذا الاتجاه أو غيره .. والمؤكد أن معظمها سيصب في ذلك (النبع) الذي كان يصفه الامام الراحل ب(الإنسانيات السودانية) .
التحية للذين عبروا عن وجدان سوداني جميل، بالدعاء والكلمة الطيبة قبل الرحيل وبعده .
رحيل المهدي- وهو آخر رئيس وزراء سوداني منتخب ،والعضو في نادي مدريد الذي يضم رؤساء حكومات سابقين منتخبين والقيادي في منتدى الوسطية العالمي وزعيم حزب الأمة القومي وإمام الأنصار- سيحدث أصداء حزينة تتجاوز حدود السودان الى الإقليم والعالم.
برحيل الصادق فقدت المنطقة العربية وشعوبها وخصوصا الشعب الفلسطيني زعيما كبيرا كان يدعو الى احقاق الحق ونصرة المظلوم.
دوليا فقد عشاق الحرية والديمقراطية قائدا كبيرا ،دفع سنوات من عمره في سجون الديكتاتوريات أو في المنافي وأجواء الملاحقة القمعية.
على الصعيد الشخصي رحيلك موجع..
فقدت حبيبا وعزيزا وانسانا ربطتني به علاقة ود ومحبة واحترام متبادل.
في بيته.. كما في الدوحة أثناء زياراته قبل سنوات .. أو لندن التي أتاحت لنا أوسع فرص التلاقي تحاورنا .. وتبادلنا الرؤى . .وكان الهدف المشترك بين أحبابه وحبيباته وآخرين أن لا بديل عن البديل الديمقراطي الذي يستعيد كرامة السودانيين.
كان هذا هو الهدف الأسمى .
رغم الرحيل الموجع فقد أنعم الله على الإمام الراحل أنه ساهم و رأى كيف اقتلع شعبنا وفي طليعته شبابه من الجنسين نظاما انقلابيا دكتاتوريا فاسدا.
دقات قلب الحبيب توقفت ، لترسم لوحات حزن لا حدود لها ،لكن الله أنعم على قلب الزعيم برؤية مواكب الانتصار لارادة الشعب.
رحيله سيهز أوساط حزبه وقوى أخرى مدنية وعسكرية .
الرحيل يضع (الأحباب والحبيبات) و(قوى التغيير) في السودان أمام محكات صعبة، ومن أهمها تحديات وكيفيات التماسك والعمل الجماعي.
لا سبيل لمواجهة تحديات المرحلة (مرحلة ما بعد رحيل الحبيب الصادق) داخل حزب الأمة وبينه والقوى السياسية الأخرى وكل أطراف السلطة الانتقالية الا بتوحيد الصفوف والتمسك بنهج العمل الجماعي الشفاف بعيدا عن (الأنا) المدمرة لمن يتمسك بها ،وقد تهدد الفترة الانتقالية ،ومظاهر ذلك واضحة للعيان .
مواجهة التحديات عبر العمل الجماعي لن تتحقق الا على قاعدة المكاشفة واحترام المؤسسية من كل الأطراف ،والانحياز العملي الملموس لثورة ديسمبر السلمية وشعاراتها وأولوياتها.. وفي صدارة ذلك تحقيق العيش الكريم للمواطنيين والعدالة للجميع واستكمال السلام.
اللحظات الصعبة في حياة الشعوب تحمل أحزانا ودروسا نحتاج جميعا أن نتأملها.
نسأل الله أن يرحم الفقيد الكبير رحمة واسعة بقدر ما قدم من تضحيات من أجل الشعب السوداني ،وبقدر ما حمل عقله وقلبه ووجدانه من نبض وطني وانساني تفاعل مع هموم شعب السودان وتطلعاته.. وتطلعات رواد الحرية والعدالة والسلام في السودان والمنطقة والعالم .
أحر التعازي لأسرة الإمام ولأحبابه وحبيباته ولشعبنا وأحرار العالم في كل مكان.
لندن – ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٠ (هنا رابط مقال كتبته عن الامام قبل أيام )