عند اهلنا فى دنقلا كانوا زمان يذكرون الاحداث والتواريخ بشكل متفرد ..مثلا يقولوا ليك ان فلان مولود فى “شعيرية” نعمات ..والمعنى هنا هو يوم عمل الشعيرية وكان اهلنا يصنعوا/يفتلوا الشعيرية والسكسكانية فى البيوت ..وايام المناسبات تتجمع الناس لعملها ويكون يوما متفردا يتم به حفظ احداث اخرى وقعت فى نفس التوقيت .. وهنا “ريقى جرا” فانا عاشق للسكسكانية “المفتولة” والتى يتم صنعها بدقيق القمح الاسمر ..وتأكلها بالسمنة البلدى، المعمول بحب فى المنزل، ما تديك الدرب ..وتتسحر بيها فى رمضان سكسكانية باللبن الحليب ..مبالغة عديل!!
اطرف ما سمعته من والدى رحمة الله عليه ورضوانه وغفرانه ..ان جدى عبدالرحيم ماشى ..شقيق حبوبتى بابا ماشى – رحمة الله عليهما – مولود فى سنة المجاعة!!
وامس استيقظت على خبر موت الامام الصادق المهدى ..وكان برنامجى هو الذهاب الى قرية تبعد عنا قليلا لشراء شتول اشجار فاكهة وازهار يتم غرسها فى الشتاء وتبدأ مسيرتها الخضراء بداية من الربيع ..
كانت المفاجأة ان المشتل داخل حوش اسرة والمدير هى الحبوبة ..والجد هو Operation Manager والابن هو مدير الانتاج والاحفاد الصغار فى الحسابات والمبيعات !!
حوش لا تتعدى مساحته الف متر يحوى منزلا صغير بدورين للسكن ..واشجار كبيرة هى “الامهات” التى يتم منها اخذ الشتول ..وهل تصدقوا ان هنالك شتول يفوق سعرها 500 دولار مثل الكونفر ( اشجار عيد الميلاد) بعدة اشكال!!
وحتى الليمون والمندرين والنخليات تمت زراعتها بحماية بيوت بلاستيكية بسيطة وتتم زراعتها هنا زينة داخل البيوت لعدم ملائمة الطقس!
كل شئ متوفر وموجود ..وامهات الاشجار امام عينيك وبعضها مثمر وتتذوق كمان.. واشتريت شتول تفاح وكمثرى ومشمش وبرقوق وخوخ وكرز حلو واخر حادق وتين ورمان وقائمة طويلة بلغت 21 شتلة واضفت لها خمسة ..وطلبت منهم blackberries ولكن خطأ منحونى blackcurrent وبصراحة لا اعرف ترجمتها ..ونتيجة لهذا الخطأ وجدت نفسى ابحر فى قائمة طويلة من الفواكه التى لا اعرفها ومنها من رأيته فى السوبرماركت فى انجلترا ..ومنها من لم اراه او اسمع به ..رغم هوايتى المجنونة فى معرفة الاشجار والاعشاب والنباتات الطبية والعطرية ..تلك الهواية التى ساقتنى الى العديد من بلاد العالم ورأيت فيها العجب ومنها اشجار تلتهم الحشرات!! وفاكهة اضخم من البطيخ! فانا الى جانب الاعشاب الطبية والعطرية ..اعشق النخليات والصباريات ذلك العالم العجيب ..وهنالك نخلة اسمها wine palm تقطر خمرا من ثمرها ..وهنالك نخلة يصنع منها حلو الجيلى jelly Palm ونخلة فى شكلة زجاجة Bottle Palm والعائلة الملكية Royal Palm وفيها الملك والملكة والامير والاميرة وتختلف اشكالها طولا وسمكا..والملك اطولها واضخمها سمكا!! ..وقائمة طويلة من عالم النخليات الباذخ والذى يرتسم فى مخيلتى ووجدانى “بالنخيل” والنيل والفراعنة السود وترهاقا وبعانخى ولقمان الحكيم وسيدنا الخضر عليه السلام وسيدتنا هاجر ونبي الله موسى الذى ارى ان اليهود من عنصريتهم يعملون بهمة لاخفاء حقيقة لونه الاسود ويده البيضاء .. ومسقط راسى دنقلا !!
عشقى للنخليات والصباريات ..اضحى تؤاما لعشق مدن بعينها ..فتربعت “مراكش” الحمراء فى قلبي ومن بين غابة النخليات والصباريات المح ابتسامة المراكشيات فتأثرنى وتصيبنى بعيونهن الساحرات..العيون الفيهن نعاس ..فأصبحت اسيرا واثيرا لمراكش وساحراتها!!!..
وارى دوما بان هنالك رباط وثيق بين الازهار والورود واشجار الفاكهة والنخيل وحتى الصباريات الشوكية وقبيلة النساء ..والجغرافيا بتضاريسها، بسهولها ووديانها وتعدد مناخاتها …فسبحانه تعالى ..ولله علا وجلا الاسماء الحسنى..
فالاشياء ترتبط ببعضها فى تلاحم فريد كما يقول، من علمنى ان اخذ حقى فى الحياة عنوة، الطيب: الطيب صالح ..بداية من بوابة الطلح وليس نهاية بمخدع “بت مجذوب” الذى يتسربل من بين سقف سعفاته الدخان فى كل امسية فى اعلان صريح عن ليلة زفاف تمتد طول العمر !! .. وفى مراكش بوابات ترسخ فى الذاكرة وخلدتها ازقة مدينتها القديمة وجامع ساحة الفنا العتيق..واسواق “النور” والعطور والزهور!!.
ونرجع تانى .. تانى .. لحوش الاسرة الاذربيجانية الذى يحكى عن ملحمة اسرية انتجت قمحا ووردا وتمنى . ..والمؤسف ان رجال الدين قد اغفلوا ان يحكوا لنا بان الحج ورفع القواعد عن البيت العتيق والحجر الاسعد ..كان ملحمة اسرية رائعة بداية من زواج سيدنا ابراهيم الخليل من سيدتنا هاجر ..والتى يرجح كثير من العلماء نسبتها الى النوبة فى اقصى شمال السودان ..وقد تم الزواج فى مدينة الخليل بفلسطين بمباركة ودفع زوجته “سارة”!! وبعدها كانت الرحلة الى مكة وقصة بئر زمزم ..واحداث “الفداء” ورفع القواعد عن البيت العتيق وثلاثة يعملون اب وابن وام ..اراها ملحمة اسرية فريدة ولها كثير من المعانى وسوف افرد لها حديثا اخر .. والاسرة هى اللبنة الاولى فى الانتاج ..ومعظم كبريات الشركات العالمية بدات بالاسرة واصبحت شركات ضخمة ولها ايضا مؤسسات تعليمية تنتشر فى كافة انحاء العالم ..والبداية والانطلاق من الاسرة “الانتاجية” ..
وقد “تجولت” فى ملامح تلك الاسرية الاذرية بداية من تضاريس وجغرافية تجاعيد الجد وعيونه التى كادت تنطفئ ..وحبوبة ضخينة امينة وكأنها ينبوع ماء ارتوى من ذلك الجد المنحنى رهقا وعبادة للعمل ..وابناء فى وجوههم اصرار وعزيمة على المزيد من العمل والانتاج لرفعة شأن اسرهم …واحفاد كالنحل من شجرة الى اخرى..
وخرجت منهم بغنيمة تمت نظافتها وتهذيبها قبل دخولها بعناء الى السيارة ..التى اشتريتها قبل يومين وتلك اولى مهامها ..والطريف انهم هنا عندما تشترى سيارة تصلك هدايا من الاسرة والاصحاب ..فوصلنى بشكير/فوطة حمام جميلة من صديقة لزوجتى ومن اخوتها واخواتها وامها فاكهة وكعك ..ومن القرويين دجاج وبيض وجبن!! ولازالت الهدايا تتوالى ..
وكعادتى ..ومن ترك عادته قلت سعادته ..احضرت اوراقى وقلمى وبدات ارسم كروكى لتوزيع الشتول على الحوش بطريقة هندسية تراعى الشمس ..والاطوال والمساحات وشكل الثمرة ولونها وزهرتها ..لابد ان يكون كل شئ فى الذهن حاضرا ..ولست بمهنى فى المجال ولكنى عاشق ولهان يشهد كثير من راى ” قصر الشوق ” فى امدرمان بان طرازه فريد وتصميمه مميز!! مما دفعنى للمزيد من التجويد ..
وانا الان امام تحدى جديد فقد علمت وتعاملت مع عائلة النعناع واشجارنا الاستوائية.. والان اجد نفسى امام عائلة Blueberries وانواع من التوت والخوخ والبرقوق واسماء اخرى ما انزل الله بها من سلطان مثل فاكهة ” القرانيا ” والتى امامى اللحظة عصير منها!!
ولن تصدقوا سبب “دلق” كل ذلك المداد .. وهو اننى فكرت فى تاريخ غرس الشتول ورايت ان لا اكتبه ..لان القدر قد سجله واضحا …انه تاريخ وفاة الامام الصادق المهدى عليه رحمة الله ورضوانه وغفرانه..
فى هذا اليوم قام فخرالدين ابن عوض حسن وفى قرية تقع بين سفوح جبال اذربيجان وقريبا من الحدود الجورجية ..بغرس 26 شجرة فاكهة سوف اسمى ابكرها واجودها انتاجا “الامام الصادق المهدى”…