فجر الخميس 26 نوفمبر 2020م هوى نجم هو فارس وقائد أهل السودان الحبيب الإمام السيد الصادق المهدي آخر جيل العمالقة.
قبرناه يوم الجمعة ونحن في ذهول من هول المصيبة، نغالط أنفسنا ونتساءل في غياب حبيب الكل كيف ستكون حال أم درمان بملازميها وطابيتها المقابلة النيل.. قبرناه ونحن نتساءل هل سيستمر تدفق النيلين متحدين شمالاً في النيل العظيم .. واريناه الثرى، وفي داخلنا تساؤل: هل سيستمر نبض أهل الجزيرة ابا بانصارها الراكزين؟ وهل ستظل جموع أحبابه المخلصين مشرئبة الرقاب تنظر إلى العاصمة الوطنية أم درمان بذات الروح المخلصة والوحدة وهم في غربه العصي المريد، وشماله الوفي وسطه الأمين، وجحافل القوم في سنار التاريخ بل هناك في شرق دقنه المتمرد على الاجنبي بل نتساءل كيف سيكون حال الوطن في احرج الظروف.
نعم صعدت روح الحبيب الإمام إلى الرفيق الاعلى ملبية النداء بانتهاء الأجل.. لحظات عصيبة لا يقوينا عليها إلا عندما نسترجع ونتذكر رحيل رسولنا الكريم والذي كان سيد الخلق أجمعين فودع الدنيا واصحابه عندما أنتهت رسالة التبليغ وأنتهى الأجل.. حال لا يقوينا عليها إلا رباطة جأش ابنته المنصورة وهي تخاطب جموع المؤبنين حزينة مجروحة القلب لكن في صبر وقوة المؤمنين.. بل نصحوا من صرعتنا اقوياء على نبرات الرجال من ابنائه الصابرين الصديق الصادق وذاك ابنه عبدالرحمن الكبير، ومحمد أحمد، وجلد ابنه بشرى الأمين الذي تلمس قوته في صمته و الذي لو كان الخيار في يده لقدم روحه فداء ليبقى ويستمر عطاء الحبيب؛ لينثر درر الحكمة والحب والتسامح والسلام لوطن كله محبين مريدين..يهزمنا هول الحدث للحظات ثم ننتفض عندما نسمع تهليل وتكبير انصاره الراكزين وهم يرددون ” الله أكبر ولله الحمد ” نعم انها صدمة ومرارة كرري وأم دبيكرات وكل ملاحم تاريخ المهدية مجتمعة التي عشناها وتعايشنا معها جرحاً نازفاً عبر السنين.
لقد حمل الحبيب الإمام في جيناته كل مكونات أهل السودان فكان في دمائه التنوع لإاثني وفي لسانه ألوان الطيف الثقافي، كان متصالحاً مع نفسه فتمدد عنده التسامح حتى أصبح لسانه الذي ينطق بالحق وفكره ونهجه في العمل. فمضي يمشي بين الناس منادياً بالحرية والعدالة والسلام والمساواة والعزة والكرامة لكل أهل السودان والتحرر من كل الرواسب السالبة. لقد كان الحبيب الإمام يتأذى من الآخرين لكنه أبداً لم يؤذ أو يفسد، ويشهد له بذلك تاريخه الناصع، وهو في قمة السلطة يوجه ويعمل من أجل الإصلاح، ويشافي ويمسح الدموع عن وجه وطن تتنكبته النوازل كل حين..
وفي أحيان أخرى هو النزيل بين جدران السجون أو منافي الغربة يتجرع مرارات المواقف مكتوف اليدين وهو في ضيافة الآخرين.. رغم كل ذلك كانت بصماته تشع خيراً وأملاً وفألاً حسناً، شهد له بها الآخر العدو اللدود.. نعم يتعرض الحبيب للشتم والذم من الناقصين تدفعهم عقدهم التاريخية لكنه يترفع بإباء في الرد عليها، بل وبصرامة المربين يمنع ابناؤه واحبابه مجاراة هؤلاء المتفلتين.
لقد مضى الحبيب الإمام محب الخير قانعاً لكن لا زال في يده ما يريد أن يهديه لهذا الوطن الجميل. خرج من هذه الفانية زاهداً في جلباب المتصوفين خلقاً، رائداً للحداثة والانفتاح برؤي المتبصرين نصيراً للمرأة التي استضعفتها التقاليد وأعراف الجاهلين.. الم ينعي نفسه بكلمات هزتنا وهو مودعا للدنيا لخصها في سطرين حيث قال ” أفضل الناس في هذا الوجود شخصاً يترحم مشيعوه قائلين لقد شيعنا حقاني إلى الحق .. إن إلى ربك الرجعى..” إنها شفافية الانقياء. نعم لقد جاء ذلك اليوم الذي نخشى والحتمية التي نخاف.
في يوم التأبين مع رهابة الموقف وغيبوبتة، أفقت فجأة من ذهول الفجيعة متأملاً في خطاب نائبه سعادة الحبيب فضل الله ناصر برمه وأبنائه وبنته المنصورة الذين تحدثوا في سيرة الراحل الصادق الصدوق، فطمأنوا محبي الفقيد الإمام مؤكدينً أن حزب الأمة القومي وكيان الأنصار سيمضي في ذات الطريق والمنهج الذي رسمه الحبيب الإمام والأولين أصحاب الدعوة المؤسسين. فعاد اليّ اليقين فتذكرت أن الراحل قد ترك لنا محجة بيضاء لو تواثقنا عليها، وعملنا بها سوف لن نضل طريقنا أبداً.
نعم لقد ترك لنا دستوراً فصل وأحكم في التفاصيل.. ترك لنا مؤسسات طورها وبناها بنفسه في حياته عبر بها الحزب من مرحلة الإشارة إلى الأبوية فإلى المؤسساتية في آلياتها ومكوناتها المختلفة. فهناك مؤسسة الرئاسة المكونة من نوابه بترتيبهم المتعارف علية الأول فالثاني فالثالث إلى آخره والحاكمة لملء الفراغ فيمن ينوب ويخلف. ومساعديه بتكاليفهم الوظيفية المحددة ومستشاريه لسد الفرقة في المشورة وتوفير المعلومة عند صنع وأتخاذ القرار.
ترك هيئة شئون الانصار برئاستها الشابة دليلنا في الدنيا وإلى الآخرة وبعلمائها وأهل الحل والعقد وبرامج الدعوة والتربية على الوسطية والحفاظ على جوهر العقيدة بمنهجها أن الدين للهداية والوطن يتعايش فيه الجميع ثابتها في ذلك مضمون الاية الكريمة ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ((يونس:99).
كان هناك المكتب السياسي ذلك الجهاز التشريعي الرقابي حامي الدستورية وما أتفق عليه في المنهج .. كانت هناك الأمانة العامة ومكاتبها التخصصية كجهاز تنفيذي يمشي بالسياسات على الأرض تنظيماً وعملاً والتنسيق مع الآخر.
الله الله يا الحبيب الإمام لك الرحمة والمغفرة. لقد كان حزب الأمة مدرسة للديمقراطية بمسيرتها الوعرة الواعدة وإن تعثرت مرة وأخري في الممارسة لكن على المبدأ ثابتة وراجحة فأنت قلتها ووثقتها في كتاب.
وهنا نقول وفاءً لفكر ونهج وتسامح الحبيب الإمام وحسه الوطني، فإن هذه القيم الفاضلة الراسخة التي تأسست بالعمل الخالص لله والوطن، ستظل حية حاضرة بينناً في كل ممارساتنا، وعلينا التواثق على السير على هداها مبشرين ومؤكين على وحدتنا في الحزب حسب التراتيبية التنظيمة التي رسمها دستورنا وعملت بها مؤسساتنا حتى وصولنا إلى مؤتمر الحزب المرتقب ليقرر خريطة المستقبل.
نعم وفاءً للحبيب الإمام يمكن أن يتغير الأشخاص لكن لا يتغير المنهج، إلا بما يقتضية الحال والزمان والتراضي عليه.
نرضى بعودة من فارقنا للعمل معنا، لكن ستظل إرادتنا وولاؤنا للوطن، التي حمل رايتها رجال حول الحبيب الإمام قبضوا على الجمر وقت الشدة سنيناً صامدين خلفه صابرين راكزين على المكاره ليكونوا هم العين التي نرى بها والقدم التي تمشي بنا واليد التي تعمل. فهل نحافظ على هذه التراتيبية في المؤسسات والتخصصية في الأداء وحق أصحاب البلاء والعطاء في القيادة مرتكزين على الثوابت؟ قطعا الجوابً نعم وبلا ترد…وفي الختام نقول الله أكبر ولله الحمد.