عملنا نحو ٣٠ عاما تحت قيادته. ناضلنا وهو قائدنا. تشربنا من فكره. مشينا معه طريقا شاقا وطويلا، لا استسلمنا ليأس، ولا تعبنا من المسار. لا أرهبتنا سياط الجلادين، ولا أغرانا ذهب الطغاة. غمرنا بفيوض إنسانيته النادرة. اتفقنا معه في كثير. واختلفنا معه. لم نسمع منه يوما ما يسيئنا. ولم يسمع منا إلا كل توقير الإبن المحب. كان لنا بمثابة الأب بعد أن تيتمنا. كان بمثابة القائد والأب والصديق. كان ينصح ويناقش ويمازح. كان معنا في أفراحنا وأتراحنا. كان يهدي صغارنا ويجلسهم قربه متبسطا معهم وسائلا إياهم عن عوالمهم الصغيرة. وكنا معه في أكثر الأوقات شدة، نحن ومعنا الآلاف، بل مئات الآلاف.
وكنا معه في آخر لحظاته في أرض الوطن، نرقبه مشفقين وملتاعين، من وراء زجاج سيارة الإسعاف، ونحن نداري دموعنا والسيارة تتجه ببطء نحو الطائرة التي أقلته في رحلته الأخيرة. انتظرنا إقلاع الطائرة ومذاك ربما لم نعرف سوى انقباض النفس وتكدر الخاطر. كان محور كل لقاءاتنا ومكالماتنا الهاتفية بعد ذلك هو وصحته.
علمنا النبأ الفاجع سويا. اتجهنا إلى “الملازمين” سويا. هي المرة الأولى في حياتنا التي نذهب فيها وهو غائب لن يعود. كنا معا أيضا في المطار نستقبله للمرة الأخيرة، لكن، محمولا على الأكتاف.
وطوال هذه الأيام ونحن معا في التشييع والمأتم لم نتمكن من تعزية بعضنا بعضا. ربما هو بركان أكبر من قدرتنا على الاحتمال. ربما هي لحظة تحاشى كلانا أن يتورط فيها ويورط الآخر.
رحمك الله أيها الحبيب النبيل.
توحدنا في حبك وتوحدنا في الحزن عليك.