سوء الإدارة و(إرتجالية) الإعداد وضعف القُدرة على الإهتمام بالتفاصيل الأساسية والفرعية في مُنتجات التلفزيون القومي ، شيء لا يمكن أن يختلف حولهُ العُقلاء ، والأوضح من هذا ذلك القصور الفني والتكنولوجي الذي تعاني منه كافة أجهزته عبر مُطالعة ما ينتجه التلفزيون من صور (باهتة) وخالية من الجماليات الفنية ، إذا ما قارنتها بقنوات سودانية أخرى يديرها القطاع الخاص ناهيك عن القنوات الأجنبية ، كما أن ضعف الأداء العام والحاجة الماسه للعاملين فيه خصوصاً الكادر الفني للتدريب والإطلاع على (عوالم) تكنولوجية مُستجدة في مجال الديكور والإخراج والإبهار البصري والسمعي ، فضلاً عن الأداء المتواضع للمذيعين والمذيعات والكوادر المسئولة عن إنتقاء المواضيع وإختيار الضيوف ، أصبح أمراً مكشوفاً للعامة عبر ما يحدث كل يوم بل كل ساعة من أخطاء فادحة طالما كانت موضوعات دسمة للتهكُّم والتندُّر في وسائط النشر الإلكتروني.
ولما كنا نعتقد ونحن مُصنَّفين في عِداد (الحالمين) ، أن التلفزيون القومي سيكون مرآة الثورة الساطعة وسندها الإعلامي الذي يستهدف دعم مبدأ التغيير وتدشين بناء السودان الجديد ، وجدنا أن هذه المؤسسة العملاقة والهامة كانت في ذيل إهتمامات الحكومة الإنتقالية ، والدليل أنها إعتبرت أن جُل مُشكلاتها وقضاياها ستُحل بمُجرَّد تعيين الإعلامي لقمان أحمد ليتولَّى قيادتها ، وقد تناسى أولي الإختصاص في هذا الموضوع أن أزمة التلفزيون القومي هي في الأساس (أزمة ضمائر مهنية) ، بدأت بسيطرة نظام الثلاثين من يونيو عبر مذابح التمكين على هيئاته الفنية والإدارية بواسطة غير المُختصين ، حيث لم يكن هناك من شرط يمنعك من أن تكون ضمن طاقمهُ سوى (عدم الإنتماء) للحركة الإسلامية وتنظيمها الجائر ، هذا فضلاً عن قصور النظام البائد في إهتماماته الإستراتيجية وتقصيره في إعطاء التلفزيون القومي أهميته التي كان يستحقها كواجهة من واجهات الدولة وإكتفى مُنظروه فقط بتدشين قنواتهم الموالية ثم دعمها وتثبيت أقدامها بإعتبارها مؤسسات إستثمارية وسياسية داعمة للخط الآيدلوجي لنظامهم الشمولي ، التلفزيون القومي (أُغتيل) منذ غابر الزمان بواسطة ثورة الإنقاذ البائدة شأنه شأن مشروع الجزيرة والنقل النهري وسودانير وشركة الصمغ العربي والسكة حديد ، لأنهم على ما يبدو لم يستطيعوا رغم إحتلالهُ تطويعهُ لدعم مصالحهم المادية والسياسية.
نقول للذين (يتندَّرون) والذين يحزنون على كلمةٍ نابية قالها ضيف في برنامج (مُرتجل) بلا إعداد مُسبق ، رغم مشاركة مدير التلفزيون بنفسه فيه ، أن مُجمل ما يحدث في التلفزيون القومي من إجراءات إدارية وفنية وموارِّد تكنولوجية وفكرية وإبداعية لا يمكن تصنيفها خارج صفة كونها أيضاً (نابية) ، ويكفي في ذلك أن ما يقدمهُ التلفزيون من صورة وصوت ومواضيع وضيوف ومُخطَّطات برامجية ورؤى إعدادية وحسب رأي الأغلبية (لا تُشرِّف) أي سوداني ينتمي إلى مباديء الثورة وشعاراتها من منظور أن ما يظهر على شاشتهِ هو (واجهة) للتعبير عن السودان الجديد لدى الغير ، وجب على رئيس مجلس الوزراء أن يتبَّني التلفزيون القومي ويُدمجهُ في قائمة المشاريع الوطنية العاجلة والمُهِّمة لما لهُ من دور في بناء ثقافة السلام والتنمية المُستدامة والترويج لدولة المؤسسات والعدالة والثقافات المُتعدِّدة والفكروالإبداع.