( في الامسيات التي تعج بالشرطة والمقاهي والودك الجيد والظلال.. قال اوشيك، كيف تري الجنة يالهي، هذا حديث (صلاح) يصف اوشيك يرفع ساقا ويحط ساق، كوقفة الكركي علي المياه. وانا في مطلع حياتي، اشهدها فتاة تكبرنا بسنوات، وشعرها تائه خصلات، تمشي فوق مشاعرنا بطلاقة الشوق، وتستبيح عزم طفولتنا الفتية، بافتراء وازدراء وصلف، تسري فينا مثل سُرى الكهرباء، او هو سمو حباب الماء حالا علي حال، كما يقول امرؤ القيس. مدرسة الروضة كانت، وكنا ننتظرها بشوق ومشاعر لا تليق بصبية، نعشقها في يأس وبلا امل، وحين تجلس في صفوف البنات الحالمات بالفارس القادم من المجهول، في ليلة عرس آسيا، وتتنزل انسام الجزيرة مثل البشارة فوق عنت الصهد، نصعد كلنا معها، فوق متن اللحن الرتيب والذي برغم رتابته، لا يكف عن بث الشجى، ولا ينفك يجدد نفسه، مع كل شطر من القصيدة الممتدة كحبال الدلاء. يفكك رغباتنا ويلاحق احلامنا العازبة، ويعيد ترتيب انفاسنا ودقات قلوبنا المجهدة بالعشق. ظل المغني ماضياً وراء اللحن يدفه، ولا يدركه الونى، ولا يعتريه وهن، تارة يسحبه من خلفه كقاطرة بخارية، بتؤدة وترو، والنساء يرقبنه في صبر، ساكنات في كهوف عواطفهن، مستسلمات لخدر السعادة، يحدقن في فراغ يفيض ويغيض بالحب، وماهو الحب؟
هل هو لهذا الحليلو الذي ينوي السفر؟
ام للسفر الذي أصبح نذرا وقدرا لنا جميعا؟
ثم اجدني سادرا في احلامي الساذجة، مثل غيري، احلم بكرز المغيب، الذي لا اجد له في النسبية، الاطار المرجعي الذي حدثنا به اينشتاين في مقبل حياتنا. وماهو الياقوت الذي ندر. وماهي الحياة كلها.. سوى مأزق لا يطاق العيش فيها، بغير الحب.
دهور مضت وقضى الشاعر في عمر باكر، وكبرت معلمة الروضة ، وادركتها لعنة السفر، فلم نعد نراها.
وجفت الخضرة التي كانت تحف نادي عمال الري، وخلعت ابوابه، فصار طللاً.. وتحول بيت المأمور الذي كنا نسرق العنب من عريشته، تلاحقنا الكلاب، نأت به التي نعشق خطوها، معلمتنا في الروضة، تحول إلى بيت من بيوت الاشباح، قتل فيه الطبيب الشاب، ثم ان المدينة بأسرها تهاوت، بل أن سقط الوطن بأكمله في أسر الجلاوزة.
ثم أطل الطاعون بسطوته
و ناداك مناد من السماء فألفيتنا نغني لك
غنيناك كاشواق
شاربة روعتنا وحنان
همساتنا لابسة ضيا القمر
غنيناك كامال ما بتخيب
ريانة تنضم نجمة نجمة
إلي آخره مما يقول الشعراء
وترتله ليلى المغربي عليها الرحمة
…………………..
فيا حليلك.)