في منتصف التسعينات و في أثناء إقامتنا في مدينة جوتبرج بالسويد تواصل معي الأخ الدكتور المعز عمر بخيت، وأبلغني أن المطرب الكبير حمد الريح موجود في السويد، وسوف يقيم حفلاً بالعاصمة استوكهولم ومدن أخرى، وسألني المعز إن كان لنا رغبة في تنظيم حفل في مدينتنا.
وبعد التشاور مع الأحباب في الجالية السودانية التي كانت صغيرة جداً تتكون من عدد قليل من الأُسر، قررنا أن ننظم الحفل بالتعاون مع الجالية الإريترية التي كانت أكبر من جاليتنا.
جرى تنظيم مكان و ميقات الحفل، وطرح التذاكر للبيع، وسار كل شيء على ما يرام، ووصل الفنان حمد الريح وفرقته الصغيرة، وأحيوا الحفل، و طرب الجميع، وانتهى الحفل بسلام، و بدأ الحضور بالانصراف.
وبينما كنا نهم بالانصراف وتوديع الأستاذ حمد الريح، سمعنا جدلاً و أصواتاً غاضبة قرب الباب.
وعندما سألنا عن الموضوع تبيّن أن أحد الشباب من الجالية الإريترية حضر للحفل متأخراً، و هو منتشٍ قليلاً، ولم يسمع غير أغنية واحدة فقط، وانتهى الحفل؛ لذلك كان يصيح بأعلى صوته بأنه قد تم غشه، ويستحق أن يستمع للمزيد مقابل ثمن التذكرة.
سمع الأستاذ حمد ذلك، وبكل هدوء طلب من الشاب أن يقترب منه، وجلسا على كرسيين متقابلين في منتصف القاعة، وأخرج عوده، وسأل الشاب “تحب تسمع شنو؟”، فأجاب: “طير الرهو”، فبدأ الأستاذ يغني بالعود، والجميع مذهول من الموقف.
وعندما أنتهى من الأغنية، سأل الشاب مرة ثانية عما يريد أن يسمع، وغنى للشاب طلبه.
عندما انتهى وقف الشاب، وقبل رأسه وعانقه، وانصرف راضياً.
رحم الله الأستاذ حمد الريح، وغفر له. لم يتأفف، ولم يتكبر ،ولم يغضب، بل جبر بخاطر الشاب بكل أريحية و تواضع و محبة، هذا كان خلقه و سلوكه العام.
نسأل الله له الرحمة و المغفرة و الجنان العلى، ونسأله تعالى أن يجزيه عنا خير الجزاء بما أدخله في نفوسنا من فرح و محبة وعواطف نبيلة.