أحدث تطور وموشر ايجابي بشأن السعي لحل الأزمة الخليجية الراهنة جاء في بيان لوزير الخارجية الكويتي الشيخ الدكتور أحمد ناصر المحمد الصباح اليوم (٤ ديسمبر ٢٠٢٠).
الوزير أعلن في أول بيان من نوعه بثه تلفزيون الكويت أن (محادثات مثمرة) جرت بين كل الأطراف(السعودية والإمارات ومصر والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى )، بهدف الوصول الى اتفاق نهائي يؤدي لتضامن بين دولهم وشعوبهم.
وزير خارجية الكويت نوه بدور جاويد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأميركي (المنتهية ولايته في يناير المقبل) ،وكان كوشنر زار السعودية وقطر عشية البيان الكويتي،كما زار السعودية وزير الخارجية المصري سامح شكري .
التطور الايجابي في محادثات الدول الأربع وقطر لم يفاجأني ، ربما فاجأ من يراهنون على الأزمات ويستغلونها في تحقيق مصالح شخصية مع هذا الطرف أو ذاك ،أو من لا يعرفون خلفيات الأزمة وطبيعة العلاقات الأسرية بين شعوب الخليج وقياداتها والدور الأميركي(دور الرئيس دونالد ترمب أو أي رئيس أميركي ) سواء باشعال الأزمة أو إطفائها .
في هذا السياق أحيي أولا قادة السعودية ومصر وقطر والإمارات والبحرين لأنهم طرقوا باب التفاهم والتلاقي ، ومثلما رأيت في مقالات عدة أن الأزمة أضرت بالجميع ،أنوه اليوم بسعيهم الى بلورة اتفاق شامل ينهي واحدة من أسوأ الأزمات التي أضرت بشعوب الدول الخمس والمقيمين في دول الخليج والمنطقة كلها .
في مقال كتبته بتاريخ السادس من ديسمبر ٢٠١٩ بعنوان (أمير الكويت (الراحل الشيخ صباح الأحمد).. سياسة حكيمة وقيادة رصينة) قلت إن قياديا خليجيا سألني قبل أشهر عن توقعاتي بشأن مسارات العلاقة الساخنة بين (الدول الأربع) وقطر.
كان ردي الذي نشر قبل عام (في رأيي أن الأزمة تدخل حاليا ( ديسمبر عام ٢٠١٩) في مرحلتها النهائية ،قال كيف؟ قلت: خبرتي بالشؤون الخليجية(لأكثر من ثلاثين عاما) تقول ذلك.
اضفت :
أن هناك خيارين
أمام الجانبين ،إما أن يتصالحا احتراما لحقائق التاريخ والجغرافيا ،أو يدخلا في حرب مدمرة، ويواصلا ضرب الرؤوس على الحائط.
أكدت للقيادي الخليجي أنني أرى أن الأزمة الى انفراج رغم شراسة الحملات الاعلامية ،وأن المواجهة العسكرية مستحيلة ،لاعتبارات داخلية (في الدول الخمس) وإقليمية ودولية.
خلصت الى ان القطيعة لا غطاء لها منذ انفجارها في العام ٢٠١٧، لا شعبيا ولا اقليميا ولا دوليا،وشددت أيضا في تحليلي للقيادي الخليجي على أن
المستقبل للتواصل وتفاعل الشعوب والدول وبناء التكتلات الكبرى في عالم لا يحترم ولا يرحم من يبددون طاقاتهم ومصادر قوتهم .
قلت في مقالي أن التواصل السعودي القطري ( منذ فترة بعيدا عن الأضواء ) يعكس حرصا مشتركا على تجاوز الوضع المأساوي الحالي.
رأيت (قبل عام) أن السعودية ومصر والإمارات والبحرين تتفق مع الرؤية القطرية بشأن ضرورة تجاوز (الطريق المسدود) الذي كان عنوانه ال ١٣ شرطا التي أعلنتها الدول الأربع كشرط لعودة المياه الى مجاريها مع الدوحة، وبينها اغلاق قناة الجزيرة وقطع العلاقة مع ايران، ووقف دعم الإرهاب (رغم ان قطر ترتبط بعلاقات قوية مع دول تكافح الارهاب وفي صدارتها أميركا وبريطانيا وفرنسا).
خلال عام ،بالتحديد من سبتمبر ٢٠١٩ الى ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٠ كتبت عشر مقالات سجلت فيها الأزمة الخليجية والوضع السوداني حضورا .
بشأن مرتكزات الحل للأزمة قلت في مقالي وما زلت أرى أن هذا هو السيناريو المحتمل ،أن قطر لن تتخلى عن تمسكها (بحسب معرفتي لسياسات قطر)
عن استقلالية سياستها الداخلية والخارجية ولكن هذا لا يمنع أن تعدلها أو تطورها بارادتها.
رأيي أيضا أن الدول الأربع(السعودية ومصر والإمارات والبحرين) لن تتخلى عن (مخاوفها) ،ويشمل ذلك ما تسميه( تمويل قطر للإرهاب) ، وأتوقع كما قلت في مقالي في عام٩ ٢٠١ أن يتم تجاوز النقاط الخلافية على قاعدة تثبيت وتأكيد الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والحفاظ على أمن دول الخليج الست ومصر،وهناك تفاصيل كثيرة في هذا الإطار.
المؤكد أن الأزمة (أزمة الحصار أو المقاطعة) انهكت الدول الخمس، وأنها في ظل أوضاع داخلية واقليمية ودولية تبحث عن حل للأزمة، لكن المؤكد أيضا أن قطر كما قلت في مقال نشر بتاريخ ٢١ نوفمبر ٢٠١٩ صمدت صمودا باهرا.
واقع الحال يؤكد كما كتبت غير مرة أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب ساهم في إشعال الأزمة ،وابتز طرفيها سياسيا واقتصاديا، وهاهو الآن عشية رحيله يسعى لاطفائها.
ترمب يعرف أن الرئيس المنتخب جو بايدن سيتخذ سياسات جديدة في المنطقة والعالم،كما تعرف الدول الأربع أن الرئيس الجديد سيتخذ قرارات تناقض سياسات ترمب ،وعليها الاستعداد للتعايش مع مناخ جديد يحمل لها رياح تحديات قديمة متجددة كما كان الحال في فترة الرئيس باراك أوباما، الذي لوح بورقة الضغوط بشأن الإصلاح السياسي وضرورة احترام حقوق الإنسان .
في سياق كل هذا يبقى الدور الكويتي حكيما ورصينا وصادقا وأخويا كما كان قبل رحيل الأمير الشيخ صباح الأحمد الذي بادر وتحرك في المنطقة وواشنطن لاطفاء أزمة من أسوأ أزمات الخليج والمنطقة .
الأزمة الخليجة تتجه نحول المعالجة بخطى بدأت حذرة و بطيئة،لكن هناك محاولات حاليا لتسريع ايقاعات التلاقي لإحداث تفاهمات معلنة ، وسيكون وقف التصعيد الإعلامي أول مظاهر التهدئة ،لأن إعلام الجانبين شكل أول مظاهر الصراع الحاد والمحموم.
وسائل التواصل الاجتماعي شهدت أيضا حملات سيئة وقبيحة ،خصوصا ممن انتهكوا الأعراض ..وأساءوا لأنفسهم قبل غيرهم .
لا مستقبل للقطيعة .. لا مستقبل للمهرجين ..وهواة الاسفاف.
ومن سقطوا في أوحال الشتائم القبيحة..
لا مستقبل لمن سقطوا في وحل المحاور..
المستقبل ..للمصالحة بين (الدول الأربع) وقطر ..
اليوم أو غدا..أو بعد حين ..
المستقبل أيضا للكلمة الرصينة المبدئية.. المحترمة..
شعوب وقادة (الدول الأربع) وقطر والمقيمون في الخليج وشعوب ودعاة الاستقرار في المنطقة والعالم هم الرابحون في معادلة التصالح والوئام وعودة مناخ الدفء(المرتقبة) في الفضاء الخليجي ..
الخاسرون خليجيا وعربيا وسودانيا ودوليا هم المتآمرون على استقرار المنطقة ومن انخرطوا في وحل المحاور أو من يسعى لتخريب المصالحة .. ومن سخروا سياساتهم أو أقلامهم وحلاقيمهم و(مواهبهم) في التزييف والتضليل والشتائم لمصلحة هذا الطرف أو ذلك..
أو استخدموا (كأدوات ) من طرفي الأزمة..
إنه درس مرير وقاس يحتاج الى تأملات عميقة لاستخلاص الدوس والعبر ..
محمد المكي أحمد
لندن- ٤ ديسمبر ٢٠٢٠