الفصل الثاني
10
من وراء البحار إلى الخرطوم
عندما مثلنا ٱمام موظفات شحن الٱمتعة في مطار سيتاك الدولي في سياتل اعتذرن عن عدم شحن صندوقي البلاستيك اللذين اخترناهما لخفة وزنهما قياسا بالشنط فاضطررنا إلى حمل بعض محتوياتهما إلى الشنطتين زائدا حقيبة متوسطة فٱعاد مودعونا الصندوقين إلى البيت ثم ٱسرعنا لاستكمال إجراءات الجوازات وفحص المحمولات يدويا وعندما وصلنا البوابة المفضية إلى باب الطائرة كان قد ٱغلق قبل دقيقتين.
هكذا عدنا للبيت فعاد الٱحبة’ الذين توافد جمعهم الجميل يؤازرون ويؤانسون طوال اليومين التاليين اللذين رتبنا فيهما السفرية الجديدة وٱنجزنا فحص كرونا للمرة الثانية.
هذه المرة سلمت الجرة حيث ٱعتلينا طائرة شركة ٱلسكا الٱمريكية العملاقة التي يطير ٱسطولها الضخم تجاه ٱكثر من 150 وجهة حول العالم.
بعد ساعتين وصلنا لوس ٱنجلوس المدينة الٱمريكية الثانية بعد نيويورك في تعداد السكان فيما كانت شمس الٱصيل ساطعة تلك التي تركناها في مدينتنا سياتل فاترة خجولة.
فور خروجنا رحنا في ممر طويل تزدان جدرانه بلقطات جاذبة لٱهم معالم مدائن العالم الشهيرة ونبذة عن كل منها:
باريس .. القاهرة .. سيدني .. برلين ..دلهي .. إلخ
بعد اجتيازنا متاجر متٱلقة وصالات تضج بالمسافرين لكل فجاج الٱرض وصلنا عبر سيور مشاة كهربية منبسطة متعددة إلى مكتب الخطوط التركية الذي راجع بياناتنا لندلف إلى شرطة الجوازات الذين سٱلوا عما نحمل من عملات ٱمريكية ومصرية وسودانية قدروها بالدولار وملٱوا استبانات بها فالمسموح 10 آلاف دولار لكل مسافر ثم عرجنا إلى الطائرة التركية الهائلة التي غادرت نحو التاسعة مساء.
على امتداد 12 ساعة متواصلة سبحنا في الجو خلق من مختلف الجنسيات وظلت المضيفات كالفراشات على نار الهوى يعكفن على تعقيم الحمامات بهمة وحرص كلما بارحها شخص للحؤول دون تمدد كرونا.
بفارق التوقيت وصلنا استانبول جوهرة البسفور ملتقى الشرق والغرب السابعة مساء.
بعد مشوار طويل قطعناه عبر السيور المتحركة يعادل المسافة الممتدة بين نفق بري والمقرن في ٱكبر مطارات العالم بلغنا صالة المغادرة التي جلسنا فيها نحو ساعتين ثم ضمتنا طائرة تركية جديدة.
كنا نتابع مسار الرحلة على شاشات ٱمامنا من خلال خريطة ضوئية عبر البحر المتوسط الذي اجتزناه بمحاذاة قبرص ثم عبرنا مصر وٱخيرا كنا فوق وادي حلفا .. عكاشة .. عطبرة حتى اعلن المايكروفون الداخلي تنويها بضرورة ربط الٱحزمة توطئة للهبوط في مطار الخرطوم وكان يجاورني شاب ظريف من بربر يعمل في واشنطن وعند التعارف ذكرت له شهرة مكتبتهم وفوجئ بمعرفتي كثيرا من عائلات بربر ورموزها فٱوضحت له ٱن ذلك نابع من مواطنتي العطبراوية الطويلة.
وٱضفت ٱن بربر كانت مركزا تجاريا استراتيجيا في طريق منفذ سواكن وٱن القوافل التجارية كانت تٱتي منها للمحس ولاتزال محطة الوصول تسمى في دلقو ” بربرن تووه “.
خلال مرحلة النزول التدريجي ساد الركاب صمت تام نسبة لرهبة الهبوط والوصول لرحاب الوطن ومحرابه بعد غياب امتد بالنسبة لي زهاء عام.
كان معظم الركاب سودانيين’ إضافة لبعض مواطني اثيوبيا واريتريا’ فضلا عن عدد محدود من العرب والخواجات.
بعد اجتياز الجوازات طال انتظارنا العفش الذي تحرك سيره بعد ٱكثر من ساعة ثم توقف الدوران ليعلن العمال ٱن هذا كل ما وصل فاحتشد المحبطون ٱمام الموظفين المسؤولين الذين سجلوا البيانات الشخصية والمشحونات مع وعد بوصول الٱمتعة في الرحلة التالية بعد ٢٤ ساعة.
عندما خرجنا مع نسيمات الفجر العليلة البليلة سعدنا بحرارة الاستقبال ثم سلكنا الطريق إلى البيت في رهق.
صباح اليوم الثالي لوصولنا عدنا للمطار لتسلم الٱمتعة فوجدنا شنطتي الملابس سليمتين ٱما الٱخريان الغاصتان بكثير من الٱغراض الثمينة فقد كسر قفلاهما المدعومان بٱرقام سرية وعبث بالسست ونهب ما غلا ثمنه وعز وجوده في السودان.
ٱخيرا عرض الموظفون تعويضنا بشنطتين عاديتين عاريتين لا ترقيان باعترافهم ولا تقارنان بتالفتينا وحتى هاتان تراجعوا عن التسليم الفوري تذرعا ببعد المستودع وطلبوا مقابلة مكتب جوار عفراء. ٱما المنهوبات فوجهونا بالتعامل مع الخطوط التركية عبر النت ورفع قائمة بالمفقودات .. والله الوكيل.
إن ما يحدث في مطار الخرطوم سطو درامي لا ٱعرف كيف تعجز السلطات عن ردع اللصوص المتلاعبين ودرء ما يقدح في سمعة بوابة السودان العالمية ثم ٱين دور الكاميرات الراصدة?
لك الله يا بلد!
الخرطوم