لم أكن سأصدق هذه التجربة الإنسانية لولم أكن قد شهدت خواتيمها وعلمت تفاصيلها من بطلها الحي الذي سردها لي.
إنها تجربة مجتمعية محشودة بالمواقف والدروس والعبر، بدأت بين شقيقين شاءت الظروف المختلفة لكل منهما التفريق بين مستويات معيشتهما إقتصادياً.
تزوجا في فترات متقاربة وأنجب الشقيق الثري ذرية من البنات فيما أنجب شقيقه الفقير ذرية من الأولاد وعندما كبر البنات والأولاد تقدم أحد أبناء الشقيق الفقيرللزواج من إبنة عمه لكن عمه رفض تزويجها له لظنه السئ بأنه طامع في ثروتهم.
إستمر التباعد الإجتماعي والنفسي بين الأسرتين رفم أنهما يقطنان في ذات الحي حيث يعيش الثري في بيته الضخم ويملك ممتلكات أخرى فيما يعيش الفقير في بيته البسيط.
فُجع الثري بوفاة زوجته ومن بعدها توفت إبنته الكبرى ثم لحقت بهما
إبنته التي ماتت قبل ن تتزوج وأُصيب هو بالسكري والضغط وتسبب السكري في بتر ساقيه وأُصيب بالعمى وأصبح يتحرك بالكرسي بلا سند.
ذات يوم وهويحاول الدخول للحمام فقد توازنه وسقط من على الكرسي وبدأ يستغيث متوجعاً ، وصادف أن الإبن الذي كان قد طلب يد إبنته ماراً بالقرب من حائط عمه وسمعه يستغيث فتسلق الحائط لنجدته.
فوجئ الإبن بوضع عمه في حالة يرثى لها وهو ملقى على الأرض فرفعه على الكرسي ودخل معه الحمام وبعد الحمام ألبسه ملابسه النظيفة .
لم يكتف بذلك بل إتصل بالطبيب الذي حضر وكشف على عمه وكتب له روشته حملها الإبن وذهب للصيدلية وأحضرها له، وأصبح يزوره بشكل راتب ويرعاه يومياً لعدة أيام .
ذات يوم طلب العم الثري من إبن أخيه أن يحضر له المحامي “فلان”، فذهب الإبن وأحضر المحامي فطلب العم من المحامي أن يسجل كل أملاكه لهذا الإبن – الذي كان قد رفض أن يزوجه إبنته – وبعد أصرار العم وتاكيده بأنه بكامل إرادته ووعيه يطلب ذلك تم تسجيل كل أملاكه لإبن شقيقه الفقير.
بعد يومين من تسجيل كل أملاكه لإبن شقيقه إنتقل إلى رحاب الرحمن الرحيم.
سبحان الله اللطيف بعباده مغير الأحوال من حال إلى حال فغير مشاعر العم الثري الذي ظن أنه قد ملك أسباب الحياة الرغدة وخشي عليها من الزوال وحرم إبن شقيقه الفقير من الزواج من إبنته، عندما وجد نفسه وحيداً بلا سند و سخرله الله سبحانه وتعالى إبن شقيقه ليرعاه في أواخر أيامه ما كان منه إلا أن منحه كل أملاكه بعد أن إكتشف بأن الاملاك والعقارات وحدها لا تسند الإنسان.