بعد 65 عامًا من نيل بلادنا لاستقلالها، وتكوينها لدولتها الوطنية ذات السيادة، نحن في حاجة الآن، وأكثر من أي وقت مضى، إلى العمل بجدية لتطوير نظرية فلسفية سودانية تحدد، بوضوح، نمط العلاقة المدنية – العسكرية، القادرة على حفظ السودان في وحدته وأمنه واستقراره.
بناء النظريات التأسيسية ليست مهمة السياسيين أو العسكريين، إنما هي وظيفة علماء الاجتماع، وعلماء السياسة، وعلماء الإدارة العامة، والمؤرخين، وخبراء التخطيط الاستراتيجي. وهؤلاء للأسف غائبون، لا نرى لهم وجودًا، ولا نسمع لهم صوتًا، منهم من فر بجلده وأبنائه وعلمه إلى المهاجر ودول الاغتراب، انحيازًا للحلول الفردية. هؤلاء، في معظمهم، السودان بالنسبة لهم طيف رومانسي وذكريات طفولة وصبا. أما الموجودون منهم بالداخل فهم غارقون، حتى الأذنين، في تفاصيل حياة شاقة مرهقة، تأمينًا لأبسط الاحتياجات الأساسيات للحياة.
غياب هذه الفئة من العلماء والخبراء والمتخصصين، فتح الباب واسعًا أما الرُّوَيْبضات. والرُّوَيْبضة وفقًا لما رواه أبو هريرة عن النبي ﷺ هو “الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتَكَلَّم فِي أَمرِ الْعَامَّة”، وفي رواية أخرى “الفاسق يَنْطِق في أمر العامة”. وجاء عنه ﷺ: “إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ”.
وما أكثر التوافه والسواقط واللواقط والفاسقين الذين يتقدمون الصفوف اليوم، يتوسدون الْأَمْر، ويتكلمون في أمور العامة والخاصة، ويفتون في شئون الدنيا والدين. وفاقم من سوء الوضع، فضاءٌ رحبٌ مفتوح، دون رقيب، لبث سقط القول، اتاحته تقنيات الاتصال الحديث عامةً وتطبيقات التواصل الاجتماعي خاصة، وغياب وسائل الاعلام الجماهيري، الرسمية وغير الرسمية، في أداء الدور المناط بها.
ونواصل