تمثّل زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان السودان إشارة إلى اهتمام المملكة العربية السعودية بما يجري في الساحة السودانية من أحداث متلاحقة، تحتاج إلى وجود أصدقاء داعمين للاستقرار، وعاملين على تلمس سبل وصول البلاد إلى بر الأمان.
ولا شك أن علاقة المملكة العربية السعودية بالسودان لها خصوصية، تفرضها الجغرافيا والتاريخ والمصالح المشتركة، ويوجبها التأثير المتبادل، إذ إن استقرار أي بلد منهما يهم الآخر، ويؤثر فيه.
وتدرك المملكة أن الفترة الانتقالية محفوفة بالمشكلات التي يمكن أن تؤثر سلباً في استقرار السودان، وأن السلام الوليد يحتاج إلى رعاية واهتمام من كل حادب على مصلحة شعبه، الذي عاني ويلات الحروب الأهلية، التي كان من نتائجها الكارثية انفصال الجنوب، وما يواجهه أهلنا في دار فور والنيل الأزرق وكردفان من نزوح ولجوء، ومعاناة حياتية متواصلة، ومتفاقمة، على الرغم من تباشير السلام.
لا نستطيع أن نجحد دور المملكة الكبير، ولا أن ننكر مواقفها الأخوية منذ نجاح ثورة ديسمبر المجيدة، وعملها المتواصل من أجل تخفيف المعاناة، سواء من خلال الدعم المالي المباشر، أو حفز المانحين، ورعاية مؤتمر خاص في الرياض، أو المساعدات الكبيرة لدرء أزمتي الفيضانات وكورونا، لكننا نتطلع دوماً إلى أن يكون التقارب السعودي السوداني في مستوى العلاقات الأزلية التاريخية بين البلدين، والتطلعات المستقبلية لشعبين بينهما تواصل طبيعي، ووجدان مشترك، ومصالح حقيقية.
إن نجاح اتفاقية السلام، وتوسيعها لتشمل حركتي عبدالواحد نور، وعبدالعزيز الحلو من أولويات الاستقرار في البلاد، ويتطلب الأمر دعم الدول الشقيقة والصديقة، ودورها الإيجابي في تذليل عقبات تنفيذها على أرض الواقع، ودعمها المالي من أجل توطين اللاجئين والنازحين؛ ليصبحوا تروساً فاعلة في عملية الاستقرار والتنمية، إلى جانب دورها في تقريب وجهات النظر، وحلّ تعقيدات التحوّل من الحرب إلى التعايش السلمي.
وتأتي المملكة في مقدمة الدول التي نتطلع في السودان إلى أن يكون لها دور إيجابي في بلوغ هذا التعايش، الذي لن يتحقق بشأنه شيء ذو بال من غير هذا الدور، وخصوصاً أن عدم الاستقرار سيلقي بظلاله عليها.
وفي هذا الأمر، أشير إلى استقرار شرق السودان، وأهميته للمملكة، وتأثير أي توتر في أمن البحر الأحمر، خصوصاً مع وجود مؤشرات بوجود تدخلات دولية تؤثر سلباً في التعايش السلمي بين مكونات الشرق، إلى جانب خشية تأثير نزوح الآلاف من الجارة إثيوبيا، مع الاضطراب، الذي شهدته في الفترة الأخيرة، وما يمكن أن ينتج من ذلك من أسباب الاضطراب.
إن تفعيل الاستثمار السعودي في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والتعدين والصناعة وغيرها سيكون له أبلغ الأثر في تجاوز أزمات الفترة الانتقالية التي نعيشها اليوم، ولا شك أنه أفضل كثيراً من أي دعم مالي مباشر.
ويقع على عاتق الحكومة الانتقالية تهيئة البيئة الاستثمارية، بما يزيل من الأذهان تلك البيئة الطاردة في ظل حكم البشير وذمرته، إذ كانت الرشاوى، والطرق الملتوية أبرز ملامحها.
إن وجود إرادة سياسية وقناعة بأهمية علاقات البلدين، وتأثيرها الإيجابي في واقعهما من أهم أسباب النجاح في ترجمة كثير من الاتفاقيات الموقعة على الورق لتصبح واقعاً يمشي بين الناس، ينعمون بثماره، ويشعرون بأثره في جوانب حياتهم المختلفة.