طوى بعض نفسي إذ طواك الثّرى عني وذا بعضها الثاني يفيض به جفني
- انه الرزء الذي يعصو على الكلمات ويُخرِس القلم، فالرثاء ضرب صعيب من الكتابة، يثقل ويتعذر على الكاتب سيما لو كان مفقوده عظيم شأنه وله في النفس تَمكثً ومقامً علي.
- مع ذلك، أشحذ القلم لرثاء الاستاذ المحامي، د. حامد عوض حامد، الذي رحل عنا اول من امس. فهو واحد من اعظم من عرفت، لم يكن الراحل لي رفيقا او صديقا فحسب، بل كان احد.اساتذتي الاجلاء وممن وضعوا ميسما في شخصيتي، التقيته في دروب العمل الوطني، اخذت منه عهد الطريق في حضرات النضال والوطنية، وسلكت معه مريدأََ في طريق الاستقلالية، لنسرج افراسنا معا في ميادين معركة التغيير.
- اعزي نفسي واعزيكم، وادعوكم لتبكوا معي حزناً عليه، أو أعطوني عيوناً أبكي بها فقد جفت مدامعي، فعلى مثل حامد فلتبك البواكي.
- كان حامد جميلا، جمالاََ اعجز الأرض عن احتماله فوق ظهرها، فسارعت لتخبئه داخلها. لقد أبكرت يا صديقي رحيلا، ولم تقض منك بلادك وطراََ، رحلت وفي نفسك وانفسنا شئ من حتى، لقد اسرجتَ المنون بلا سؤال او استئذان، فأججت القلوب حزنا واسى، نعاك ناعيك ففاق الجرح حد.الاحتمال، ففقدناك رجلا مثال، وخسرناك حلما وخُلقا مزكَى، وغاب نورك في حالك الليالي. فقد سلبك الردى منا اديبا ومفكرا سيظل في الخيال ويحيا في القلوب.
- حامد عوض حامد الذي القى عصا ترحاله وترجل عن افراس النضال اول من امس، تخرج في جامعة الخرطوم كلية القانون، ليعمل بالمحاماة في مقتبل حياته العملية بمكتب مولانا خلف الله الرشيد، ثم عمل مستقلا، وفي عهد الانقاذ الغيهب كسائر الشرفاء، احتضنته المنافي ليعمل في مجالات القانون المختلفة في الامارات والبحرين وقطر، وبزوال الانقاذ عاد حامد الي ارض الوطن، ليعمل في المحاماة التي تمهر فيها وتمرس. بعد عودته نشط الاستاذ حامد في الكتابة الرصينة التي حملت رسائل مهمة وقضايا لا يطرقها الا من هم في قامته، اجزل مكتوبا عن المدنية ومؤسسات الحكم المدني، وعن التسويات التاريخية، خطر العسكر، التنظيمات السرية، المحكمة الدستورية، النيابة العامة، لجنة ازالة التفكيك، وتعقيب على الاستاذ سيف الدولة حمدنا الله، وعن الوثيقة الدستورية والعديد من القضايا التي تتقاطع فيها السياسية مع القانون، وكأني به قد تناولها بمبضع لا بقلم. وقد حرص على ارسال كل ما يكتبه الي مستأنسا برايي، فكنت اقول لا يعقب “الحوار على شيخه”، واسأله دائما ما سر هذا الدفق الكتابي، فكان رده دائما الثورات لا تفلح بدون سند معرفي. اجتهاده ومثابرته على الكتابة وغزارة انتاجه في الفترة الأخيرة كانت رسالة لنا ولي شخصيا، فالرجل كان ينجز ما عليه انجازه وكان ذلك امرا موقوتاََ!!
- اقف عند حامد عوض حامد، احد قاماتنا السوامق ممن اضافوا لحياتنا السياسية والفكرية، فهو في هذا المضمار من اهل الانجاز، وما انجزه حامد ورفقته لو انجزه غيره من ذوي الحلاقيم الكبيرة لملأ الدنيا ضجيجا ولزاحم مناكب المتزاحمون على الغنائم، ممن يأخذون ثمن نضالهم وظيفة او حضورا اعلامياََ
- رحم الله الاستاذ حامد عوض، فقد كان من جيل تأسيس مؤتمر الطلاب المستقلين ومن افراد النواة الاولى والاساسية التي كونت مؤتمر الطلاب المستقلين، منظومة وسمها النقاء في ميدان قل ما تكتب النجاة لمرتاديه من تلوث يكاد ان يكون حتميا،فميدان السياسة يعج بكل باطل وبكل التواء، ولكن منظومة مؤتمر الطلاب المستقلين والمؤتمر السوداني من بعد، ظلت ولا زالت طاهرة الاثواب لم يعتور ذيلها ما يوجب الطهارة والتطهر،.فهي لا تحيد عن حق او تتنازل عن شعار،لا تخور عزائمها ،فلا تهادن ولا تداهن، منظومة تتعاطى مع مفردات السياسة بنقاء المتصوفة،سلاحهم دواخل نقية وقلوب فتية. وهذا من غرس حامد ورفقته، غرسا تعهدته اجيال تعقب اجيالا، بالرعاية والسقيا فاستوى واستغلظت منه السوق.
- حجرة هناك في داخلية بحر الغزال اخالها تنتحب، فقد احتضنت حامد ورفقته من طلاب القانون واحتضنت معهم احلامهم واشواقهم في وطن جميل، هناك اجترح حافظ بابكر راشد قيام كيان للمستقلين، لمن ساكنوه الغرفة، صلاح عثمان ابو زيد،عمر علي عبد الرحمن، محمود عبد الرحمن وحامد عوض حامد.
- راق الامر لحامد، فطفق يدعو زملاء دراسته في الثانوي واصدقاءه، واستزاد حامد في حراكه، نداء وتبشيرا بميلاد وشيك لحركة المستقلين، فقام باصدار جدارية باسم ’’الصحوة‘‘،وقد احتلت لها موقعا بارزا بالنشاط بجامعة الخرطوم،كان ذلك في خواتيم العام 1977 وبواكير 1978، وكان في رفقة حامد عوض حامد، زميل دراسته وسكناه عمر عبد الرحمن. تلك الجريدة كانت لسان حال التيار العريض للمستقلين،فدُبِجَت المقالات دعوة لقيام كيان يضم المستقلين ويعبر عنهم.
- بجهود حافظ بابكر راشد، صلاح عثمان ابو زيد،عمر علي عبد الرحمن، محمود عبد الرحمن، وامين كوكو صديق من بيطرة وحامد عوض حامد، تنادى المستقلون لقيام كيانهم وشملت الدعوة كل كليات جامعة الخرطوم.
- جاءت مرحلة اختيار الاسم لكيان المستقلين، في ذات المهد الذي شهد ميلاد الحركة،الغرفة التي يسكنها حامد عوض،حافظ راشد ،عمر علي،محمود عبد الرحمن،صلاح عثمان ابو زيد(بداخلية بحر الغزال)، في ذاك اليوم ام الحجرة جمهرة من المستقلين الذين جاءوا من كل كليات الجامعة، كان هناك ساكنو الحجرة،اضافة الي آدم بشير،احمد التجاني،سعيد شامي،محمد احمد شاموق،امين كوكو،ابراهيم ابكر،ابن عمر صابون،احمد الازهري صالح،عادل ابراهيم حمد،شوقي عمر،الطاهر حسن علي،عماد عابدين،احمد يسن،عادل الطيب،عاصم سيد،عصمت عدلان،الهادي حاج الخضر،عبد الحميد عباس، فلا غرابة ان يكون هذا العدد مجتمعا في غرفة واحدة،فدوما ما يُبَارَك المكان الذي يُجْتَمَعُ فيه لخير..
- كان موضوع الاجتماع واحدا لا غير
(اختيار الاسم)،قدم المجتمعون مقترحاتهم، وكل غني علي ليلاه ما طاب له ان يغني،شارحا وداعما،وحينا مجذرا ومؤدلجا، ومن بين ذلك السجال والجدال اللاجب كان (مؤتمر الطلاب المستقلين)، سار الاجتماع على ما سنورده من وقائع، أُقتُرٍح في صدر الاجتماع اسم
1-اتحاد قوي الطلاب المستقلين
2-تجمع الطلاب المستقلين
3- رابطة الطلاب المستقلين
سار الامر عاديا، والحوار هادئاومتزنا، الي ان قام ذلك الفتي،الخطيب المفوه، فخيم الحنجرة رصين المنطق، عادل ابراهيم حمد(اقتصاد)
- فأتي بمقترح استغربه المجتمعون وانكره بعضهم،وتوجس آخر خيفة، استمات هو في تسبيب ممنطق ومتماسك،الا ان محاوريه ومجادليه قد عزوه خطابا فقد كان ذلك الاسم الذي اقترحه عادل ابراهيم حمد هو
- 4-اتحاد الطلاب الاشتراكيين
وكما فعلت جهيزة، فقد نهد الي الامر، عشريني،وسيمة طلعته وضاء محياه، انيق ملبسه، جهير صوته واثق في نبره، ذلك كان الماجد حامد عوض حامد، فضفاض في معارفه قسيم الفكرة بريعها ، انيق العبارة نضيدها، قدم اقتراحا،قطع به قول الخطباء وما اكثرهم ليلتها..
- 5- مؤتمر الطلاب المستقلين
وبدا وكأنه يرافع دفاعا في قضية استوثق من دفوعاته فيها،او كأنه قد حفظ’’لوحه‘‘ عن ظهر قلب، اي انه قد اعد لذلك مسبقا، وهو قطعا لم يفعل فتلك ميزة انماز بها حامد،الافكار المرتبة،تماسك الخطاب،الهدوء والثقة،العمق،المنطق الرصين،والتسبيب البريع، حتي انك لتخال انه حينما يبدي لك رأيا حول موضوع ما، انه علي المام مسبق بالموضوع وانه قد اعد له اعدادا متقنا،وهكذا، ربما خال حامد،حينها انه محام يقدم مرافعته الختامية.. ليخبر المجتمعون ويجزل فيما يخبر به..
مؤتمر،دلالة وطنية وتاريخية، تشير الي مؤتمر الخريجين، مولد الحركة الوطنية ضد المستعمر، ويربط ذلك بمؤتمر جنوب افريقيا، ويعرج بسامعيه، الي دلالات الائتمار، وابعادها المعرفية،.مؤتمر يتداول فيه الناس افكارهم، بلا عقائدية، ولا اراء مسبقة، جترحها زعيم او رئيس.
مؤتمر، ديمقراطية كُلِِ، لا قاعدة فيها ولا قيادة تمتطي صهوتها..
- عناوين عمقها حامد، بقول ارصنه وبفكر سكبه متماسكا متناغما ومقنعا، بدرجة جعلت كل حاضر يتحسس الطائر الذي حط علي راسه..
- كان الاستحسان، كان الاجماع،فكان مؤتمر الطلاب المستقلين وليكون المؤتمر السوداني فيما بعد.
- حامد سمحة سجيته ، مأمونة نقيبته، نبيل سمته، اصم يطابق من الظاهر منه الباطن، عزيز النفس معتد بلا غرور او تعال، يصدح برأيه بلا تحفظ ويتلقى رأي الآخر بكل احترام اخي حامد، في عليائك استأذن ان
- أرثيك وان عجز بياني، ارثيك رجُلاً توارى ذِكرهُ، بين الأنام ، ليظل خالدا شهماً شريفاً طيفه أشجانِ.
- صادق عزائي لابناء المدرسة المستقلة في اجيالهم التي تعاقبت، ولمؤتمر الطلاب المستقلين، ولاعضاء حزب المؤتمر السوداني، وللشرفاء وللاخوة حافظ راشد وشوقي عمر ابراهيم وامين كوكو، ولاسرة عوض حامد ولرفيقة دربه الاستاذة شذى عبد الحفيظ وابنائي احمد وابراهيم وبناتي اريج وياسمين ونسرين، له المغفرة والرضوان ولنا ولكم الصبر الجميل وحسن العزاء
يقول المعزّي ليس يجدي البكا الفتى وقول المعزّي لا يفيد ولا يغني
- وداعا سيد الاسم..في رحاب الله مجترح اسم مؤتمر الطلاب المستقلين