• الخطاب السياسي يكتسب أهميته استنادا لعناصر متعددة، منها التوقيت ومنها حجم الحدث، ومنها كذلك طبيعة المتحدث، وأهم ما في ذلك هو عنصر المكان وطبيعة الجمهور المخاطب، ومن يتأمل في خطاب الفريق أول عبد الفتاح برهان رئيس مجلس السيادة،
في ختام مشروع العام التدريبي، لوحدات اللواء الخامس مشاة والقوات الجوية والدفاع الجوي وقوات الدعم السريع، والذي أقر فيه بعجز الحكومة عن تحقيق طموحات وتطلعات جماهير ثورة ديسمبر المجيدة، لابد ان يتساءل عن أسباب إختياره هذه المنصة تحديدا لإلقاء ذلك الخطاب.
• وهو سؤال مشروع تسنده خبرة الناس في طبيعة تصرفات أفراد المكون العسكري في مؤسسة الحكم، وما زال الناس يذكرون كيف كان رد فعل الفريق أول برهان، حينما هوجم بعد زيارة عنتبي، التي التقى فيها برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث أختار ان يكون الرد على الهجوم من منصة القوات المسلحة، حينما عقد اجتماعا للضباط واطلق تصريحاته الساخنة، التي أبان فيها عزمه وتصميمه على المضي في مشوار التطبيع، وقطع فيها بمعرفة رئيس الوزراء بزيارته.
• كما نذكر جميعا انه اتخذ ذات الاسلوب حينما ذكر رئيس الوزراء ان الحكومة لم تضع يدها الا على ١٨% من المؤسسات والشركات التابعة للمؤسسات العسكرية والأمنية، يومها أتخذ برهان ذات الأسلوب في الرد وفي التأكيد على انهم لن يعيدوا تلك المؤسسات.
• العجز الذي قال به رئيس مجلس السيادة هو يتعلق بمنهجهم الذي يريدون تكريسه، بتغولهم على السلطات، سواء في ملف السلام أو العلاقات الخارجية أوالسيطرة على إقتصاد البلاد وبمجمل الشأن التنفيذي، بشركاتهم التي تعمل في مختلف المجالات، ولا صلة لها بالخزينة العامة للدولة وهي فوق القانون، إذ لا تخضع حتى للمراجعة العامة، شأنها شأن كل مؤسسات الدولة وشركاتها، وبالتالي لا صلة للدولة بها وبعوائد أرباحها وخسائرها، بينما يتم تمويلها والصرف على كوادرها بإعتبارها شركات حكومية، ويتم الصرف على المؤسسات نفسها والأجهزة الأمنية والعسكرية من خزينة الدولة، فما الذي لا يجعل الحكومة عاجزة بمثل هذا التلاعب والتراخي في قضية المال العام..؟!
• في كل العالم حينما يقر المسئول بالعجز أو الفشل، لا يكون ذلك الإ في خطابات التنحي والإستقالة، اقرارا بعدم القدرة على تحمل المسئولية، الإ عندنا في اوطاننا، لقد صرح الفريق أول محمد حمدان دقلو مثل تصريح البرهان هذا من قبل، ومع ذلك ما زال باقيا في منصبه، وفعل الفريق أول كباشي، وهذا مسلك يعبر عن تصور هولاء أن الأزمة ليس لهم فيها نصيب، انما يتحمل كامل مسئوليتها العنصر المدني في الحكومة، ومن يفعل ذلك، انما يريد بشكل مبطن أن يقول للناس ان الحلول بيده وأن الأخرين هم سبب المشاكل، بينما الحقيقة التي لا مراء عليها أن كل ما يحدث من تعثر لعبوا هم فيه دورا أساسيا، وهم شركاء في كل ما يحدث من عجز ومن فشل.
• على الفريق أول برهان إن أراد تجاوز العجز والفشل في تحقيق طموحات الثورة وأهلها، أن يصحح الأوضاع الخاطئة التي تأسست طوال عهد الإنقاذ، واستمرت بعد الثورة وعلى رأس ذلك تغول الأجهزة العسكرية والأمنية على مؤسسات الدولة، وعلى رأسها هيئة الإتصالات والطيران المدني، وأن تعود كل الشركات التابعة لهم لولاية وزارة المالية، ذلك أول الطريق لمعالجة الخلل، وأن يلتزموا بالدور الذي نصت عليه الوثيقة الدستورية، ويحافظوا عليها بدلا من محاولات تخريبها واضعافها بالخروقات المستمرة، وآخرها اضافة واعتماد اتفاق جوبا وتضمينه فيها في غيبة المجلس التشريعي، وأن يلتزموا بما اتفقوا عليه، فذلك هو المخرج من حالة العجز، ومن الاستقطاب السياسي الحاد الذي تشهده الساحة السياسية.
• الفريق أول عبد الفتاح البرهان واعضاء المكون العسكري ليسو مراقبين سياسيين، انما هم حكام لهذا البلد، ويتحملون مثلهم ومثل الحكومة التنفيذية ممثلة في مجلس الوزراء وقوى الحرية والتغيير، المسئولية كاملة في كل ما حدث ويحدث في البلاد، وبالتالي عليهم أن يتحلو بالقدر الكافي من الشجاعة للتعامل مع اسباب الفشل، لا الإكتفاء بالشكوى، وما يحدث أمام أعيننا كاف لندرك أن هناك مماطلة في تصحيح التشوهات التي أقعدت بالبلاد سنينا عددا، وما يهمنا في هذا المقام التأكيد على أنه بالغ ما بلغ الوضع لا مجال من جديد لإستئثار العساكر بالسلطة، وليس هناك من سبيل بغير تحقيق شعارات وأهداف الثورة، وعلى رأسها ولاية وزارة المالية الكاملة على المال العام، وتحقيق السلام العادل والكامل بالبلاد، بما يفضي لإعادة تشكيل القوات المسلحة بعقيدة عسكرية جديدة، وبما يضمن دمج وتسريح لكل الحركات والمليشيات في إطارها، والإنتقال الديمقراطي الحقيقي.
• وعودا على بدء فإن اطلاق الخطابات السياسية، يجب أن يخضع لفهم أعلى بما يرسله من رسائل سلبية وايجابية في كل الإتجاهات، ولما له من تأثيرات تنعكس على السياسة والإقتصاد والعلاقات الخارجية للبلاد بشكل فوري وعاجل، فحينما يخاطب اعلى مسئول في هيكل الدولة الجيش بمثل خطاب برهان، لا يفهم من ذلك الإ في إطار تمهيد الأجواء للإنقضاض على السلطة، أو التمهيد للإستئثار بها، وتلك رسالة البلاد في غنى عنها، والعالم غير مستعد لتقبلها، فلتضبطوا خطاباتكم وتقيدوا بدوركم، حتى تتخطوا العجز والفشل.