المصريون لا ينتمي الأشخاص إلى قبائلهم في الصحراء أو الريف والقبائل البدوية وفي المدن في مصر كثيرة ومعروفة ولكنهم ينتمون إلى الأرض (والبلد) والبلد منهم الاسيوطي والقناوي والاسواني والاسناوي في ( الصعيد ) من مصر ومنهم السكندري والرشيدي والدمياطي والطنطاوي والدمنهوري في قرى الدلتا ومدنها في الشمال وكل هذا الانتماء في غير تعصب أو نسيان للقومية المصرية حتى أبناء القاهرة فإنهم ينتمون إلى احيائهم فمنهم الحسيني والظاهري والجيزاوي والبولاقي …
غاية التعلق بالأرض والاعتداد بالحي والقرية والمدينة تمام كما نتعلق نحن بالقبيلة وصلة الحي والقرية والمدينة أعم واشمل كثيرون يعيشون في القرية التي ولدوا فيها عندنا في السودان وفي غير السودان وهم غرباء عنها بقبيلتهم التي ينتمون إليها .. ويوم أن وقع العدوان الثلاثي على مصر لم يغادر مصري واحد مصره مهاجرا أوهاربا أو لاجئا إلى بلد آخر . وقبل العدوان الثلاثي في التاريخ القديم إذا انتصر الغزاة في شمال مصر انتظرهم المدافعون في الجنوب إذا اجتازوا شاطئ البحر الأبيض ثبت لهم المقاتلون في الريف وهزموهم .. تعلقا بالتراب وتمسكا بالميراث .. يوم أن وقع العدوان الثلاثي على مصر تجمع ( الصعايدة ) من حيث كانوا يشقون قنوات الشماريع في الدويم والسوكي هنا في الخرطوم استعددا للرحيل لخوض المعركة في القناة أو انتظار الغزاة في الصعيد لم يأبهوا لما استحقوا من مال عند أصحاب المشاريع تركوا مالهم وسافروا …
( لا .. يا بوي .. الحرب في البلد .. حنروح نجاتل )
هكذا رأيتهم يومها وسمعتهم وأمس سافرت أفواجهم من الخرطوم إلى يدان المعركة وقبل أن يقع العدوان ..
جريدة الرأى العام-العدد الأسبوعي- الاثنين 5/6/1967 صفحة وحدي ومع الآخرين