27 عاما قضاها السودان في عزلة قاتلة، ودفع السودان فيها دماء غالية وارواح عزيزة، عشنا فيها زلة الاهانات، تشرد فيها عشرات الملايين من ابناء شعبنا في المهاجر، عرفتهم مخافر اللجؤ ومعسكرات التوطين، 27 عاما ندفع فواتير طغمة إرهابية باعت اسم السودان في اسواق الدم والإرهاب الاسود، 27 عاما يرزح السودان تحت صلف عصابات النفط والسكر والقمح، يدفع المواطن ثمن صموحات وأهواء بعض الموتورين الذين ظنوا بانهم يدخلون هذا الشعب ” الجنة”، وبينما يهرولون للاسواق يزايدون ويضاربون في لقمة المواطن البسيط، ضاعت أمنيات الشباب وكان البحر الأبيض المتوسط مقبرة طموح أبناء السودان وهم يهربون من الفقر والفاقة والضياع، تسربنا من أيدي العالم بعد ان اصبحت جوازات سفرنا تهمة في ” كاونترات ” المطارات، واصبحت ملامحنا وبصماتنا تعاد عشرات المرات، والبعض يقضي ايام في مطارات الدنيا بتهمة إنك ” سوداني”، ونموت باسباب تافهة، ونعجز فى الحصول على الدواء، وتموت النساء في إنتظار “كهرباء” غرفة العملية، ويتسرب الاطفال من المدراس لمطاردة تعدين الذهب والعمل لسد رمق أسر يتآكلها الفناء، نملك ما نملك من ارض سمحاء ودوود، ونفقد لتر الوقود وقطعة الغيار التي تحرك ” البابور” نملك مراح الماشية الفخيم، ونعجز توفير اللقاح الذي يجنبها الموت الزؤام، نملك ما نملك من خيرات في سطح الارض وباطنها ولكن نظل سجناء العزلة، وعندما تتباهي الدول الافريقية الاقل شانا مننا بتكنولوجيا العصر الحديث، نجد انفسنا في تكنولجيا الماضي العقيم، محرومون من كل تقنية حديثة صنعها العالم، بنوكنا ومصارفنا تدير في خيباتها بعد ان اصبحت منبوذة لاتستطيع ان ترسل ” مليما ” خارج السودان او تستقبل” دولارا ” من الخارج، وحتي سفارتنا في الخارج اصبحت اضحوكة للعالم وإحدي الصحف في دولة جارت تسخر من دبلوماسي يحمل دولارات فى ” كيس اسود” وعند إستجوابه تبين انها رواتب العاملين بالسفارة، ومن اخطرها إنهيار الرأسمالية الوطنية التي شيدت الاعمال الخيرية في البلاد، وكانت الاوقاف السودانية شاهده علي عطاء لم يخشوا الفقر يوما، تساقطت مؤسساتهم لشرهات غول الارهاب الذي لم يجد خيارا سوي إفقارها بالجبايات والضرائب لسد نقص الذخائر وشراء مدافع المافيا السوداء، والتعاقد مع تجار الأزمات لتوزيع الموت المجاني فى ارجاء العالم.
وأخيرا آن للشعب السوداني ان يبتهج بالنصر المؤزر الذي اعلن عنه برفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وصار اليوم السودان جزءا من الأسرة الدولية، ومن حقه ان يتمتع بكل إمتيازات الدول الاخري، ورغم أن القرار اصبح واقعا، إلا ان التحديات الماثلة تحتاج إلى خطط موازية لتنشيط الانتاج وتطويره للمنافسة العالمية التي فارقناها منذ ربع قرن من الزمان، وفي المقابل استفادات دول مجاورة من غيابنا الطويل واستثمرت في منتجات بلادنا ، ولابد ان ننهض بكل العزيمة لمواجهة المستقبل الذي تنتظره اجيالنا القادمة.