أمريكا بعد أن رفعت اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، الآن تكمل جميلها وتصدر تشريعا يلزم السودان بـ: وضع القوات النظامية تحت ولاية الحكومة المدنية. الزام المؤسسات الاستثمارية للقوات النظامية بالشفافية. اصلاح النظام المصرفي والزامه بالشفافية و الالتزام بالمعايير القياسية في الكشف عن المخالفات وغسيل الأموال وغيرها. محاربة الفساد في النظام المالي للدولة!
بصراحة شديدة، ومن باب الشفافية ، خلال زيارتنا لألمانيا قبل عام ، سمعنا مثل هذا الحديث أكثر من مرة، وبعبارات واضحة كالشمس، ملخصها (إذا أردتم أن يساعدكم العالم ، فساعدوا أنفسكم أولا).. ولمزيد من التوضيح سمعنا عبارة صريحة ( أغلقوا الثقوب السوداء، في نظامكم الاقتصادي)..
عندما يصدر الكونقرس الأمريكي مثل هذا القرار فالأمر لا يندرج تحت عنوان التدخل في الشؤون الداخلية مطلقا، لأن مثل هذه المعايير لم تعد (شؤونا داخلية) بل هي مطلوبات عالمية لأية دولة ترغب الاندماج في المجتمع الدولي والتعاطي مع الدول والمؤسسات الدولية.. خاصة دولة مثل السودان ظلت “مطرودة من الفصل” عقودا طويلة، و تلح الآن وتتلهف العودة إلى المجتمع الدولي دولة راشدة مكتملة الكرامة..
هذه المطلوبات الأمريكية هي عين ما كانت اولى به حكومة الثورة منذ يومها الأول، بل هي الحد الأدنى لتدشين بناء دولة السودان الحديثة.
قبل عدة أشهر أجريت حوارا صحفيا مع مساعد وزير الخزانة الأمريكي قال فيه بوضوح أنه يزور الخرطوم لمساعدتها في تأهيل نفسها لمرحلة ما بعد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لأن المعايير الدولية في المعاملات المالية يظل هو المحك في تطبيع علاقات المؤسسات المالية السودانية مع نظرائها في الخارج..
التشريع الأمريكي بقدر ماهو مطلوب لدعم الانتقال الملبد بالغيوم في السودان، لكنه يكشف إلى أي مدى العجز في ادارة الدولة من جانب الحكومة مدنية، فثمة أسئلة ملحاحة تستلزم اجابات صريحة:
هل حاولت الحكومة المدنية اصلاح وهيكلة الاستثمارات النظامية بحيث تتوافق مع المعايير المطلوبة داخليا وخارجيا؟ أم ظلت الحكومة المدنية كلما حاصرتها صرخات الاحتجاج على قصور الأداء تتحجج بإمساك النظاميين على مفاصل الاقتصاد.
ماهي المجهودات التي بذلتها الحكومة المدنية في تعزيز الشفافية في المجال الاقتصادي تحديدا؟ بعد عام ونصف من انتصار الثورة هل استحدثت الحكومة أية تشريعات أو حتى سياسات اصلاحية للنظام المصرفي ، مثلا؟
من الحكمة أن ندرك أننا ندفع ثمنا باهظا ونهدر فرصا ثمينة في الوقت الذي يتعاطف فيه العالم كله مع ثورة ديسمبر و يمد أياديه لمساعدتها تبدو الأوضاع في الداخل مثل غريق في البحر لا يرغب في رفع يده لانتشاله من الغرق، وينتظر أن يحمل حملا لينجو.
بصراحة شديدة، ربما الأصح أن نقول (شكرا_ الكونقرس)!