بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحيةً صادقة لكل المشتغلين والمشغولين بالثقافة والآداب والفنون؛ هذه التحية ليست إجراءً بروتكولياً عابراً، بل هي تعبيرٌ عن تقدير عميق للمجهودات الجبارة التي قام بها هؤلاء طيلة فترة منازلة ومقاومة النظام البائد، ويقومون بها اليوم من أجل إنجاز التحول المطلوب نحو دولة الحرية والسلام والعدالة.
حقيقةً لم أجد الفرصة خلال الفترة الماضية لأقول هذه العبارات، وهذا تقصير منا في حق أهل الثقافة والآداب والفنون، فمنتوجهم كان خير مُعين للبشر في فهم تعقيدات الحياة، وفي الوصول لرؤية واضحة من القضايا الإنسانية ولنا في السودان من ذلك نصيب. وانتهز هذه الفرصة لأترحم على كل المبدعين السودانيين الذين غادروا دُنيانا، فهؤلاء أسهموا بقدرٍ كبيرٍ في إثراء الوجدان، وفي تفتح العقول وتطور الوعي وزيادة المعرفة، وأتمنى عاجل الشفاء لكل مريضٍ وأدعو لهم بتمام الصحة والعافية، وكذلك ننتظر المزيد ممن لا يزالوا يثابرون بجهد ويقدمون الجديد في الساحة الثقافية والفنية والأدبية.
لقد رأيت أن هذه السانحة مناسبة لدعم الشباب المشتغلين بالثقافة والآداب، وهي سانحة مناسبة
أولاً لأن هذه الأيام توافق الذكرى الثانية لثورة ديسمبر المجيدة، وقد كان للآداب والفنون والشعر والموسيقى والنحت والتلوين والجداريات، دوراً معلوماً في الثورة.. وثَّق المبدعون للثورة عبر هذه الوسائل وللتضحيات والبسالات العظيمة من بنات وأبناء الشعب السوداني، وخففت هذه التصاوير والنغمات والكلمات المبدعة عن أسر الشهداء والجرحى والضحايا وأصدقائهم، وساعدت في تجاوز الكثير من الآلام والمواجع.
واقع الأمر نحن ننظر للمبدعين كشريك ليس في الثورة فحسب، ولكن في تحقيق أهداف التغيير كذلك، فبلاد بلا إبداع ومبدعين مثل أرض بلا خصوبة، لن تزهر على الإطلاق.
الأمر الثاني الذي أتيح لي أن أقوله في هذه المناسبة أن الأبواب الآن أصبحت مفتوحة لكل صاحب مشروع ثقافي، وبلادنا تذخر بالتنوع الثقافي الذي يتيح اقتراح وتنفيذ مشاريع تستفيد من هذا التنوع، كما أن هناك أجزاء ومناطق من هذه البلاد العظيمة تستحق أن تُزار وتُرى ويُخطط للإقامة فيها حتى ولو لوقتٍ قصير للتداخل وابتدار حوارات مع سكانها، فذلك يفتح وعي المثقفين والأدباء والشعراء على عوالم جديدة تغذِّي وعيهم الإبداعي، وتسمح بتبادل المعارف والمعلومات مع المواطنين الذين يسكنون المناطق البعيدة عن المركز، فالناس هناك مبدعون بالقريحة وعلى السجية ولأن نمط حياتهم يحفز الإبداع في كثير من نواحيه. ومن هنا أوجه وزارة الثقافة والإعلام وكل مؤسسات الدولة المعنية بالعمل الثقافي، لتيسير وتسهيل حركة المبدعين والشعراء والكتاب ليقوموا بجولات لمناطق مختلفة من السودان، وأدعوهم كذلك لوضع برامج جديدة ولتطوير الموجود من برامج تبادل ثقافي بين ولايات السودان المختلفة، وكذلك بين السودان ودولاً أخرى.
الأمر الثالث لأن نشاط مثل جائزة نيرفانا للأدب تقوم به مؤسسة صغيرة بمعيار تاريخ التأسيس، كبيرة بمعيار النشاط والمثابرة. فهؤلاء الشباب والشابّات الذين يقومون على هذا العمل يمثلون نموذجاً يحتذى. ومن هنا أتى دعمنا لهذا النشاط، فالأدباء والمبدعون والشعراء والمثقفون هم الأقدر على تطوير وإدارة أنشطة ثقافية وإبداعية، والثورة فتحت باب لحرية الرأي والضمير والتعبير وما ننتظره هو استخدام هذه الحرية في تطوير الإنتاج الثقافي والأدبي والفني، والدولة على استعداد لدعم أي عمل ينفع الناس وهذا مما ينفع الناس.
خالص الشكر والتقدير لمؤسسة نيرفانا الثقافية ونحن إذ نشكرها نشكر من خلالها كل المؤسسات والدور والمراكز الثقافية والأدبية التي حافظت على وجودها في الساحة واستطاعت أن تبتكر أشكالاً متنوعة ومبدعة للوصول للناس في أحلك الظروف رغم المضايقات والملاحقات. والتقدير والامتنان الخاص للمؤسسات والمراكز التي عادت بعد الإغلاق بواسطة النظام السابق والآن تستعيد حقها في الاستمرار، وألف مبروك لمن نالوا الجوائز المقدمة وأمنياتنا لمن لم يفوزوا بحظوظ أوفر في منافسات قادمة، ونقول لكم جميعاً ننتظر منكم الكثير، لمستقبلكم ولأهلكم وبلادكم.
عبد الله حمدوك
15 ديسمبر2020