كنت أتابع موكب النمل.. سبحان الله مدبر الأمور فالق النوى. رأيت نملة تكاد لا ترى بالعين المجردة. كانت نملة صغيرة الحجم تسحب قوتها. كانت تسحب شيئاً أكبر من حجمها من حفرة إلى حفرة لا تكل ولا تمل، وهي تتوسط الموكب العجيب. كنت أتامل شكل النملة، وأجزاء جسمها، وكيف أنها تسير في خط مستقيم. لا تنحرف نملة واحدة عن خط المسير إلى نهاية المطاف.
ولكن فجأة توقف الموكب العجيب، واختفى النمل. عدت ثانية أراقب ما يحدث. عاد النمل فى رحلة عكسية، عكس مسيرتها الأولى. سبحان الله. تقول جدتي، رحمها الله، إن جموع النمل تسحب قوتها السنوي ثم تخزنه للموسم المقبل، ثم تعود من حيث أتت. سبحانه الخالق البارع، وبيده كل الأمور.
يعتصرنى ألم. في ظل شجرة عملاقة، موكب النمل أمامي تقوده نملة، في ظلها نملة تعمل ليلاً ونهاراً، ونصف سكان الأرض من البشر عاطلون عن العمل، لا يعملون.
طالت مدة الرحل، من بداية الظل، لم يقف النمل؛ ليلتقط انفاسه كما يفعل البشر.
كنت أتامل موكب النمل، عالم غريب يتحدى أقدام البشر. كيف ينجو النمل من دعساتهم.
ونملة تحمل قوت يومها، كأنها تحمل مظلة على رأسها. تسير ببطء، ثم تواصل مسيرتها، وأخرى تسحب بقايا زهرة.
كنت أفكر في خلق الله: في نسمات الصباح، وفي تفتح الازهار، وفي قطرات الندى، وفي عبق الياسمين، وفي ألوان الورود، بكل ألوان قوس المطر (قزح).
كانت عيناي تنتقلان من نملة إلى أخرى. موكب عجيب لا سباق فيه، كل يمرر من يتجاوزه بهدوء، فسبحان الذي خلق وأبدع.