شطبت الولايات المتحدة اسم السودان رسمياً من قائمة الدول التي تراها راعية للإرهاب، بعد مرور 45 يوماً من إبلاغ الكونغرس، الذب لم يعترض على هذه الخطوة.
وقد دفع السودان 335 مليون دولار لتعويض الناجين وعائلات ضحايا الهجوم الذي وقع في 1998 على سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، في عهد الإنقاذ، وكذلك ضحايا الهجوم المدمرة الأميركية “يو إس إس كول” قبالة الساحل اليمني في عام 2000م.
ومارست الولايات المتحدة ما عده كثيرون ابتزازاً بربط رفع العقوبات بالتطبيع مع إسرائيل.
هذه الخطوة على علاتها تمثّل مخرجاً للسودان من حالة الاختناق التي عاشها على مدى سنوات طويلة، عانى خلال الإنسان السوداني، فهو في الداخل يعيش الأزمات المتتالية، لأن البلد خارج النظام المصرفي العالمي، فلا يستطيع الاستيراد أو التصدير حسب الإجراءات المعتادة، فأصبحت صادرات السودان تجد طريقها إلى أسواق العالم، بعد تغيير بلد المنشأ، واتخاذ جنسية بلد آخر، حتى وجدت دول نفسها مصدرة للصمغ العربي مثلاً، بينما لا تعرف شعوبها ما هو الصمغ العربي، وما هي شجرته، وأصبح بعضها يستورد اللحوم من السودان، ويصدرها للخارج، وهذا “الكُبرى” فتح المجال واسعاً للابتزاز، ولكل أنواع الفساد، ومنها المتاجرة بقوت الشعب، ووضعه تحت مقصلة زمرة فاسدة لا ضمير لها.
أما سودانيو المهاجر، فقد عانوا في مطارات العالم، وتحملوا ألواناً من الإهانات، وأصبح السوداني متهماً من دون جريرة، وعليه أن يثبت براءته، في حين كان الفاسدون من أهل النظام ومن لف لفهم يسافرون كما يحلو لهم بجوازات سفر دبلوماسية.
إذن، لا مجال لتبخيس إنجاز رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، لأن هذا يعني عودة السيادة للبلد، ليتعامل مع النظام العالمي من دون حواجز أو “كباري”، فيستطيع أن يصدر ويستورد، ويسافر مواطنوه إلى دول العالم، وهم مرفوعو الرأس، فلا ينتظرون “الفيش والتشبيه”، لإثبات حسن سلوكهم.
ويستطيع السودان أن يستقطب المستثمرين من كل العالم، وفق إجراءات نظامية، لا مجال فيها للرشاوى، والإتاوات، التي شوهت سمعته في ظل الإنقاذ.
لا مراء أن هذه الخطوة لها مردودها الإيجابي على الاقتصاد السوداني، ويساعد على سرعة إعادة اندماجه في النظام الاقتصادي الإقليمي والدولي، بالتوسع في حركة التبادل التجاري مع العالم، مع انسياب التحويلات المالية عبر المصارف؛ بما ييسر عمليات استرداد عوائد الصادرات، وانسياب تحويلات ومدخرات السودانيين العاملين في الخارج.
ولا يمكن أن ننكر في هذا الصدد أن دولة مثل المملكة العربية السعودية كانت في مقدمة الدول الداعمة لهذا الملف، ودافعت عن أحقية السودان بإزاله اسمه من قائمة أميركا السوداء، ليستأنف دوره الإقليمي والدولي بوصفه دولة تنبذ الإرهاب، وتحاربه، خصوصاً بعد نجاح ثورته.
واليوم بعد هذه الخطوة، نأمل أن تكون المملكة داعمة للاستقرار، بأن تسعى إلى زيادة استثماراتها في السودان، وتشجيع قطاعها الخاص على ذلك، وهي بذلك تقدم النموذج الذي يمكن أن تستهدي به الدول الأخرى، وهذا لا شك أفضل كثيراً من المساعدات المباشرة مهما كان حجمها.
وإذا كنا نتطلع إلى الدول الشقيقة للمساهمة في دعم السودان باستثماراتها، فإن المسؤولية الأولى تقع على عاتقنا، بتهيئة بيئة استثمارية جاذبة، وبالتناغم بين مستويات السلطة الانتقالية، وبأن تكون هناك ولاية تامة لوزارة المالية على المال العام، وتحويل شركات الجيش إلى شركات مساهمة عامة يحق للمواطنين الاستثمار فيها، مع استثناء تلك الخاصة بالإنتاج الحربي، وهذا يوفر الشفافية التي يطالب بها المجتمع الدولي في التعاملات المالية، بما يغلق باب الشبهات.
إذن رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب إنجاز لا مجال للتشكيك فيه، ولكنه لا يمثل الحلّ للأزمة التي يصطلي بنيرانها المواطن المسكين، الذي يقف على رصيف الانتظار، ليرى البرنامج الذي أطلقته حناجر الثوار “حرية.. سلام وعدالة” واقعاً، وهذا بالطبع لن يكون ما لم نرتق جميعاً إلى مستوى سمو ثورتنا المجيدة بتجاوز ذواتنا الضيقة، والعمل معاً من أجل وطن يسع الجميع.