يحرص الحاكمون في السودان على ترك مسافات واسعة بينها وبين الرأي العام بغرض تغييبه، من خلال صمت المسؤولين عن الإفصاح بالمعلومات والحقائق والوقائع كما هي، ومن خلال كبت الحريات الصحفية من خلال الرقابة القبلية والبعدية؛ لذا نجد أن وسائط التواصل الاجتماعي أصبحت تشكل وسيلة التواصل والبديل الشعبي لتلقى الأخبار، واصبح الجمهور ينظر إلى الصحافة الورقية على أساس أنها مجرد قراطيس تستعمل في البقالات للف البضاعة للزبائن، وتم ملء الفراغ الذي تركته الصحف من خلال وسائل التواصل الاجتماعي بما تحتوى من صالح منزوٍ أو طالح غث يطفو على السطح، وسط آلاف الأكاذيب والقصص المفبركة التي يسيل منها الخبث والقيح.
لا فرق في هذا الاستخدام السيء لتداول المعلومات بين من بيده السلطة، ويدعي حماية الوطن، ومن يعلن في الحانب الآخر بأنه معارض ليختلط الحابل بالنابل، وتضيع الحقائق فى أعظم وأخطر المسائل التي تعرض سلامة الوطن والمواطن للخطر؛ حتى يأتي يوم يقع فيه الفأس في الرأس – كما يقولون-، ونفقد الوطن لنلحق بسورية وليبيا ومثيلاتهما من الدول، وحينها سيعض الجميع أصابع الندم لتجاوزهم الخطوط الحمراء، والتفريط في وطن لم نحافظ عليه.
للأسف، فإن عدداً كبيرً من المتسلقين الذين تبؤوا مناصب ومواقع خطيرة في الدولة من غير المؤهلين، لكنهم وصلوا إليها؛ لكونهم من أهل الثقة والحظوة لمن بيدهم الأمر، وفى إطار ما سمي بسياسة التمكين.
ومن مصائب الدهر على الوطن ظهور بعض من يناضلون خلف الكيبورد، وهم لا صلة ولا علاقة لهم بالوطن. يكتبون، ويؤلفون، وينسجون من مخيلتهم الخرافات والخطرفات، كأن السودان تسرح فيه عصابات آل كابوني.
هذا الوضع المزرى الذي يمر به الوطن نتيجة طبيعية للأحقاد والضغائن السياسية، والعشوائية التي يمارسها من بيدهم السلطة من تقريب الموالين، وتوزيع أموال الدولة كالغنائم، وإقصاء وتهديد ووعيد من يخالفونهم الرأي. وأصبح المواطنون يتداولون قصصاً ونكات في هذا الشأن.
لقد أثبتت الحكومة فشلها في إيقاف هذه الحرب الضروس التي لا تمثل الحركات المسلحة أمامها شيئاً فتلك مواجهه رجل لرجل (Man to mam) قاتل ومقتول.. ولكن هذه أبطالها خفافيش الظلام، من أوتي قليلاً من الحكمة يراهم رأي العين.. والسؤال الذي يظل مطروحاً ولا نتوقع له إجابة: كيف تصرف المليارات على كل هذه الأجهزة الشرطية والأمنية وهى لا تستطيع ان تشفى غليل المواطنين من المعلومات، بل وتهزم في معارك إسفيرية، إذ يأتي الأفراد بمعلومات تتجاوز ما تطرحه الأجهزة الرسمية.
هل يعقل أن يكون المؤتمر الصحفي للشرطة لإعلان الحقائق في استشهاد السيدة أديبة بالأسلوب الذي شاهدناه. إن الامر الذي لم يستوعبه المسؤولون أن هناك 40 مليون سوداني ظلوا يتابعون تلك القضية، وقلوبهم مع أديبة. وجاء إعلان الشرطة ومؤتمره الصحفي كأنهم يمدون لسانهم للشعب، الذي ينتظر نتيجة واضحة، فلم يجد ما يشفي غليله، أو يجيب عن تساؤلاته.
إن ما يمر به المواطن من حرمان في الحريات، وشظف العيش أمر ظل المواطن يتحمله قهراً وقسراً، ولكن عندما يتعلق الأمر بأمن الأسر وأمانهم، وتعجز الحكومة عن توفير هذا المطلب الحياتي، يقفز إلى الأذهان سيناريو ليبيا الذي لم تنته فصوله حتى اليوم. وسلام يا بلد.