يخرج غدا السبت إلى الشوارع تيار تسقط تالت المكون من الكيزان والشيوعيين وبعض مستجدي العمل السياسي قاصدين إسقاط حكومة حمدوك التي جاءت بعد مخاض عسير من ثورة تراكمية ضد نظام الفرد والجماعة الواحدة الذي هيمن على السلطة ثلاثين سنة حسوما واذاق شعب السودان الهوان.
كانت الثورة على نظام البشير فعل طبيعي فهو نظام انقلابي جاء عبر الدبابة مطيحا بنظام شرعي ديمقراطي، بينما حكومة حمدوك هي حكومة انتقالية جاءت بعد ثورة شعبية ونتجت عن شراكة موضوعية بين المدنيين والجيش بعد انحياز الجيش للثورة، والجميع يعلم أن عدم انحياز الجيش بسلطته العليا كاملة للثورة كان يعني حدوث احد سيناريوهين اما إخماد الثورة بالقوة او انزلاق السودان إلى حرب أهلية نتيجة انقسام الجيش نفسه بين الوقوف مع الشارع وحماية السلطة، وهو السيناريو الذي حدث في سوريا واليمن، وخروج تيار تسقط تالت يوم غد يعيد نفس هذه السيناريوهات ويجعل الجميع يتسال كيف سينحاز الجيش الذي أصبح هو نفسه جزء من السلطة الانتقالية إلى الجماهير في حالة خروجها ضد حكومة حمدوك؟ وبما أن هذا غير منطقي، فإن الخيار الوحيد المتوقع ان تبدأ الانشقاقات داخل قوات الشعب المسلحة ومن ثم تبدأ الحرب الأهلية الشاملة التي سيندم بعدها كل شخص خرج ليسقط الحكومة الانتقالية داعما في ذلك تحالف الكيزان والشيوعيين المطرودين من الشعب والذين لا يتنفسون ولا ينشطون الا في الأجواء القذرة المليئة بالحرب والمؤامرات.
لست مهتما بالكيزان والشيوعيين فهم عالة هذا البلد وداءها المزمن، ولكنني مهتم جدا بالاجيال الجديدة ولجان المقاومة وصف طويل من الجماهير التي أصبحت تستهويها المواكب وكلما سمعت هتاف خرجت معه، فهؤلاء يجب أن يعلموا ان الثورة التي قامت كان هدفها الأسمى ان يتم إسقاط حكومة الفرد لمصلحة حكومة الجميع، والاطاحة بحكومة الانقلاب لمصلحة حكومة الانتخابات، وهي أشياء تحقق منها الجزء الأول إذ سقطت حكومة الفرد وحكومة الانقلاب وتحكم الآن حكومة مكونة من جماعات متعددة على رأسها أحزاب سياسية لم تتلوث بمشاركة الكيزان طيلة فترة حكمهم وهما حزب الأمة القومي وحزب المؤتمر السوداني، وتتجه هذه الحكومة نحو عقد انتخابات بنهاية الفترة الانتقالية ليحكم السودان في نهاية المطاف ديمقراطيا ويختار الشعب بمحض ارادته من يحكمه، وهي الغاية الأساسية والنهائية من الثورة وكل ما دونها مجرد وسيلة لبلوغ هذه الغاية. لذلك ما يفعله تيار تسقط تالت من كيزان وشيوعيين هو مجرد إعادة ساعة الزمن إلى الوراء وإبطاء التحول الديمقراطي وتأخير العبور نحو محطة الانتخابات.
ما لا تفهمه الأجيال الجديدة ولا لجان المقاومة أنها ليست مجموعات سياسية منظمة وبالتالي لا يمكنها أن تحكم حتى ولو أطاحت بحكومة حمدوك وقحت، وإنما سيكون الحاكم احد الكتلتين المنظمة سياسيا وهما الكيزان او الشيوعيين، وكلاهما حين يصعدان إلى السلطة سوف يستخدمان اساليبهما الدموية القديمة في تصفية الأجيال الجديدة وقادة لجان المقاومة تماما كما فعل الشيوعيون في عام ١٩٧٠ باعتصام الأنصار في الجزيرة ابا وفي ودنوباوي، وكما فعل الكيزان بدارفور ومظاهرات سبتمبر وديسمبر، لذلك السؤال المهم الآن هو هل هذه الأجيال ولجان المقاومة جادة في سعيها لتسليم السلطة للكيزان او الشيوعيين وإعادة إنتاج شمولية البشير او شمولية النميري؟! ام انها مغيبة العقل ومصابة بالإضراب نتيجة عدم الدربة والخبرة السياسية؟! بناء الأوطان ليس لعبة مواكب او نزوة هتاف وإنما تنازلات وإيثار وتضحيات وصبر وتحمل، ما وصلت إليه البلد من محطة ثورية وشراكة لا يمكن الرجوع عنها ولا تبديل المسار، فهذا الدرب سيقودنا إلى النور ولو بعد حين، اما التراجع عنه فهو لا يقود إلا إلى حرب أهلية لا تبقى ولا تذر، والعاقل من اتعظ بسوريا.
sondy25@gmail.com