انتفاضة الثاني من يوليو 76 المجيدة واجهت تشويهاً كبيراً من قبل نظام مايو (نظام الرئيس السابق جعفر نميري) إلى الحد الذى دمغها فيه إعلام النظام بأنها غزو أجنبي.. وأن مقاتليها الاشاوس مرتزقة! !لهذا تعاملوا مع من وقع في قبضتهم، وأنا منهم، بقسوة متناهية، وعنف مفرط عبر تعذيب مستورد. . تقشعر منه ابدان البشرية جمعاء. . لا ولاءاً لنظام اشترى ضمائرهم فحسب بل ثاراً لكرامتهم التي مرغتها في التراب سرية تحركات المجاهدين التى اخذتهم بغتة وهم غافلون. .
لقد اختفت قوات الأمن تماماً في ذاك الوقت من الساحة، كأنما تخطفتهم الطير أو هوت بهم الريح في مكان عميق. . وعندما انقشع غبار المعمعة. . خرجوا من مخابئهم كأنهم جراد منتشر. . بدأت الاعتقالات العشوائية كحاطبي ليل. .
كانت اللوحة الأولى الدامية. . تجميع الأسرى من المجاهدين ومن شابههم سحنة أو لكنة.. بزعمهم.. من عمال كمائن الطوب في الجريف شرق وأم دوم وغيرها… وبائعي الترمس والحمص والشاي. . وبعض أصحاب المهن التي تتطلب البكور.. جمع كل أولئك عشوائياً وكدسوا كالخراف المعدة للذبح. . كدسوا في عنبر للشرطة العسكرية في القيادة العامة بالخرطوم تحت قيادة العقيد آنذاك عثمان أمين. .الشهير بـ” كتمبور”. . ورجاله والذين سلقونا بالسنة حداد عنفاً لفظياً وتهديداً وشماتة. .
لقد لقى كثيرون مصرعهم في الحزام الأخضر.. دون حتى محاكمة صورية. . لقد كنا ضمن تلك الاكوام البشرية في ذالك المكان النكد. . وقد كدنا نقضى لولا أن تداركنا لطف من الله. . أذكر من رفاق المحنة والضيق. .الاخوان ابراهيم تيمس. . د. سعيد نصرالدين. .الشيخ الطاهر الفكى..محمد حماد..بلال عوض الله. .عبدالباسط أحمد الحسن..رحمة ادريس ابو روف..الناظر عمر إدريس هبانى..ادريس شكيرى. .شعيب ساتي. .عبدالرحمن فرح.. فيصل خضر مكي.. بشير عبدالله. .عبداللطيف الجيمعابي. .منصور مصطفى. .محمود أبشر..أحمد يوسف النصيبة. .آدم عبدالله حسين.. المجاهد/ الوكيل محمد إبراهيم عجب الدور كبيروكلاء الإمام بالقضارف والشرق وهو في التاسعة والثمانين من عمره وقتذاك ..
هؤلاء جزء من مجاهدي وكوادر حزب الأمة وهنالك مئات آخرون، منهم من قضى نحبه. . ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. . ومن أشقائنا الاتحاديين رفاق دروب النضال..الأستاذ على محمود حسنين..الشاعر الكبير الزين أحمد عثمان الجريفاوى. .حسن حضرة. .محى الدين عثمان فتح الرحمن البدوى وآخرون. . و من جبهة الميثاق الإسلامي. .انذاك..الشهيدان د.عبدالله ميرغنى وعبدالفضيل ابراهيم من كريمت المغاربة ود.ياسين الحاج عابدين وآخرون. .هذه الأسماء التى استدعتها الذاكرة هى للمثال وليست للحصر والذين لم ترد أسماؤهم لهم العتبى حتى يرضوا. .
السلخانة البشرية فى الشجرة ام فروعاً شينة. .وهى شجرة قابعة داخل جهاز الأمن الملاصق للقيادة العامة جنوبا. .لقد مدت تلك النيمة العملاقة فروعها عالية ليتفيؤ ظلالها خلق الله ومادرت أن فروعها تلك ستتحول إلى مسالخ بشرية من اجل انتزاع اعترافات وهمية لتبرير الإعدامات الجماعية القادمة. .كان المشهد رهيباً، غابت فيه الإنسانية والرحمة ومخافة الله.. كان محرم. .والدابى وعلى محمود وآخرون ينفذون تعليمات رؤسائهم بتلذذ وسادية. .الضحايا مربوطون من أرجلهم ورؤوسهم إلى أسفل مثلهم مثل الخراف المعدة للسلخ. وكان الجلادون.يشربون الشاى.والقهوة والمياه الباردة على أنغام أنين الضحايا. .لقد كانوا يضربون هرون شنوبة أمامنا وأمام زوجته التومة وقد ربطوا خصيتيه بحبل متين يقودونه من مكان إلى آخر تخويفاً للآخرين وزجراً لهم.. وهناك ممارسات أخرى على مرأى ومسمع من الضحايا يشك الرائى فى عينيه وعقله لأنها لا تصدق. . كانت أعداد الضحايا هناك بالمئات. .أقر كثيرون منهم
بالتهم المنسوبة إليهم زوراً ليخففوا عن أنفسهم يوما من العذاب اعدم كثيرون بناء على تلك الاعترافات المملاة في محاكم ميدانية صورية فورية. . كان على رأس من أعدموا قائد الحركة الشهيد العميد مهندس محمد نور سعد…أما الذين كانت جراحهم بالغة من جراء التعذيب.. وكنت أحدهم. فقد أجلت محاكمتهم إلى أن تتحسن صحتهم. .حتى يمثلوا أمام المحكمة. .وتلك لوحة دامية أخرى. .سنعرض لها بالتفصيل فى وقفة أخرى أن شاء الله. .
قلت ان أبطال هذه الانتفاضة البديعة قد ظلموا من أعدائهم.. وهو ظلم مستحق ومبرر.. لأنهم هزوا هيبة النظام الزائفة.. وأجبروه على مصالحة أعدائه وهو صاغر.. فى أقل من عام ، ولكن الظلم الذى بقى غصة في حلوقهم مر مذاقه كالعلقم. .هو ظلم ذوى القربى الذى هو أشد مضاضة. .من وقع الحسام المهند. .وتلك قصة أخرى. .ألا رحم الله الشهداء الأبرار. .وشفى البلاد العزيزة من أدوائها السابقة واللاحقة ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ..
- الكاتب: سياسي قيادي وكاتب