تابعت مصر زيارة المستشار الأمني لرئيس جنوب السودان توت قلواك، إلى الدوحة بقلق بالغ، لما تحمله من شكوك في ما ستقوم به قطر من خطوات، حيث تبحث عن بناء نفوذ جديد في جوبا لتعويض خسارتها بعد سقوط حليفها عمر البشير في السودان.
وذكرت مصادر سياسية في القاهرة أن الدوحة حرصت خلال زيارة قلواك، على معرفة الحدود التي وصلت إليها العلاقات بين جوبا والقاهرة، وما إذا كان جنوب السودان قد وعد مصر بمنحها قاعدة عسكرية أم لا.
وتحاول قطر تعويض تراجع نفوذها في الخرطوم باستدارة سياسية جديدة لضبط علاقتها بجوبا، كي لا تكون بعيدة عن واحدة من المناطق التي تزداد حيوية، مع تصاعد أدوار القوى المنخرطة في تطوراتها، وعلاقتها بالأزمات التي تعج بها.
والتقى وزير الدفاع القطري، خالد بن محمد العطية، الأحد، بقلواك، الذي بدأ زيارة غير محددة المدة إلى الدوحة، جرى خلالها استعراض القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتطوير علاقات الصداقة والتعاون في المجالات السياسية والأمنية.
وظلت الدوحة، لفترة من الوقت، بلا علاقات دبلوماسية رسمية مع دولة جنوب السودان، على الرغم من حصول جوبا على الاستقلال منذ تسع سنوات.
ورغم أن أسباب تأخير الخطوة الدبلوماسية مجهولة للبعض، وملتبسة لدى آخرين، فإن ذلك يعبر عن اهتمام يمكن تفسيره في ظل فشل رهانات الدوحة على السودان، والتي تراجعت مع تزايد ميول مجلس السيادة الانتقالي في الخرطوم إلى الانصراف بعيدا عن محور قطر، وتصميمه على المضي قدما في إجراءات تقويض نظام الرئيس السابق عمر البشير، وفلوله داخل الحركة الإسلامية.
ونسجت قطر علاقات قوية مع نظام البشير، وتمكنت من التمترس في الكثير من مفاصل السلطة، واستخدمت أذرعها السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية لتثبيت مكانتها، قبل أن تغير الثورة السودانية هذه المكانة.
وتزامنت زيارة قلواك إلى الدوحة مع وتيرة إيجابية للعلاقات بين جوبا والقاهرة، خاصة عقب زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى جنوب السودان لأول مرة، قبل نهاية نوفمبر الماضي، ضمن تحركات ترمي إلى تطوير العلاقات مع دول حوض النيل.
وأجرت مصر مناورات عسكرية مع السودان أخيرا، كانت إحدى رسائلها الأساسية موجهة لبعض الدول التي تستخدم أساليب قذرة لتكريس نفوذها في المنطقة.
ويقول مراقبون إن الدوحة حاولت الدخول على خطوات السلام بين رئيس جنوب السودان سيلفا كير ونائبه الأول رياك مشار ولم تكلل جهودها بالنجاح، لوجود دور قوي لوساطة دول الجوار الأفريقية. وما جعل تحرك قطر بطيئا في حينه أنها كانت تتوقع أن تظل قريبة إلى الخرطوم أكثر من اللازم.
ويرى مراقبون سياسيون أن القيادة القطرية قد انتبهت إلى أن الأمور تتحرك سريعا في منطقة مفتوحة على الصومال، كمركز حيوي لها وحليفتها تركيا، حيث تمكنتا من تعزيز نفوذهما في مقديشو. ولا تريد الدوحة أن يتعرض وجودها لأي مخاطر من خلال التغيرات المتوقعة في السودان.
وأوضحت الخبيرة في الشؤون الأفريقية أماني الطويل، أن قطر تريد أن تضيف إلى أوراقها في هذه المنطقة ورقة جديدة، إن لم تفدها في المدى المنظور فقد تمكنها من تفعيلها لاحقا إذا مالت جوبا إلى بعض خصوم الدوحة المعروفين بطموحاتهم في تثبيت أقدامهم في شرق أفريقيا لدواع إستراتيجية.
وقالت الطويل، لـ”العرب”، إن نجاح قطر في رفع مستوى العلاقات مع جنوب السودان يمنحها قوة مضاعفة في هذا التوقيت، في المقابل يمكن لجوبا الاستفادة من الاهتمام بدورها الناشئ والسعي للحصول على دعم خارجي، في فترة تشهد فيها المنطقة اهتماما إقليميا ودوليا.
واختارت الدوحة في مقاربتها الجديدة حيال جنوب السودان عدم الدخول من الباب السياسي والاقتصادي التقليدي، بل من الباب الأمني، ولعل زيارة توت قلواك نفسه تعكس هذا البعد بجلاء، وتشي بأن هناك تحركات خفية يمكن اتخاذها في هذا المجال، وهو ما يثير الريبة لدى قوى إقليمية عدة.
ويأتي التحرك القطري في خضم توترات متصاعدة في إثيوبيا بسبب أزمة تيغراي، وأخرى يمكن أن تشتعل في أي لحظة بين أديس أبابا والخرطوم مع تنامي الأزمة الحدودية بينهما، ما يزيد المنطقة سخونة، حيث تعج بصراعات ممتدة ومتداخلة.
وتعد المقاربة القطرية تجاه جنوب السودان مفهومة في سياق لعبة أمم إقليمية تستخدم الكثير من الأوراق المحلية، وتبدو الدوحة ضالعة في بعض مقاطعها، وهو ما يجعل حضورها في المنطقة مثيرا للريبة، فإذا لم تستفد منها لخدمة مصالحها الغامضة، فعلى الأقل تستطيع مضايقة خصومها.
وفات الدوحة أن جنوب السودان محاصر بدول لها مصالح كبيرة ومختلفة، ومن الصّعب أن تقبل بتواجد قطري يمثل إزعاجا لها.
وتوقع متابعون إقليميون أن تتريث جوبا، ولا تبادر بالاندفاع نحو الدوحة، لأنها تعلم أن هذه خطوة تثير علامات استفهام لدى دول قريبة منها، وبينها مصر، وهي دول لن تقبل بأن تكرر قطر سيناريو نفوذها في السودان مرة أخرى في دولة جنوب السودان.
ونفت مصادر مصرية في وقت سابق رغبتها في الحصول على قاعدة عسكرية بدولة جنوب السودان عقب تسريب معلومات أوحت بأن زيادة وتيرة العلاقات مع جنوب السودان تهدف إلى الاتفاق على تفاصيل هذه القاعدة.