رغم الاعلان عن ان الدكتورة كوزميكا كوربيت الامريكية من اصل افريقى هى الباحثة التى طورت لقاح شركة موديرنا ورغم ابداء الرئيس السابق باراك اوباما نيته التطعيم أمام الكاميرا لتعزيز ثقة الجمهور في سلامة اللقاح ، الا ان ذلك كله لم يؤثر فى قناعة الغالبية العظمى من الامريكان الافارقة ولم يبدد شكوكهم بشأن اللقاحات ، حيث قال 42% فقط منهم انهم سياخذون لقاح كرونا مقابل 14% فقط قالوا ان اللقاح سيكون امنا حسب اخر استطلاع اجراه مركز بيو !!! ان عدم ثقة السود فى المؤسسات الفيدرالية بسجلها الحافل بالتمييز و العنصرية علاوة على تجاوزات النظام الصحى بحقهم هى التى تغذى نفورهم من لقاح كرونا وليس قلة المامهم بالمرض او اى سبب اخر ، حيث ذكر 71% من السود فى الاستطلاع ذاته انهم يعرفون شخصا تم نقله الى المستشفى او توفى بسبب كوفيد 19 .
ولا يمكن تفسير تردد الامريكان الافارقة – المتجذر فى الواقع التاريخى – ازاء التجارب السريرية و التطعيمات دون المعرفة التاريخية بالصدمات الطبية الاليمة التى تجرعوها من قبل و لعبت دورا رئيسيا فى تثبيطهم عن وضع ثقتهم فى اى لقاح …وفى بداية ظهور كرونا نصح الخبراء الحكومة دون لبس انها ان كانت تريد حقا محاصرة الفايروس تحتاج لمشاركة واسعة من المجتمعات المهمشة وقادتها . لكن الحكومة فشلت فى ذلك ، وادى افتقارها لاستراتيجية وطنية لاحتواء انتشار الفايروس الى تقوية الشكوك بشأن ما تقدمه من حيث اللقاح !!
وفى استطلاع اخير قال اثنان من كل ثلاث من السود ان الحكومة لا يمكن الوثوق بها لرعاية مصالحهم بخاصة بعدما امتنع المسئولون الفيدراليون والولائيون عن تتبع او اصدار بيانات تشمل ضحايا كرونا وسط الاعراق المختلفة !!!
فى امريكا ثمة مقولة تاريخية مفادها ” اذا اصيب البيض بنزلة برد يصاب السود بالتهاب رئوي ” وقد اصيب السود بكرونا بمعدلات اعلى من البيض و أفاد مركز السيطرة على الأمراض أن الأمريكيين السود أكثر عرضة بثلاثة أضعاف للوفاة بكرونا مقارنة بالأمريكيين البيض.اذ من بين 512 حالة وفاة مرتبطة بكرونا فى لويزيانا على سبيل المثال كان حوالى 360 او 70% من السود رغم انهم يشكلون اقل من ثلث سكان الولاية .
لم ينس العديد من الأمريكيين الأفارقة معاملتهم مثل خنازير غينيا في تجارب طبية مختلفة فى الماضى كما حدث فى دراسة ( توسكيجى ) الامر الذى خلق لديهم ارتيابا تاريخيا من الاطباء وبصورة تجعل ( توسكيجى ) تلوح فى اذهانهم عند اى محك .
وغالبا ما يستشهد السود بتلك التجربة الشريرة التى دامت 40 عاما باعتبارها العقبة الاساسية فى تفكيرهم بخصوص التطعيمات والتجارب السريرية.
لدرجة ان الجدات والامهات فى مجتمعات السود يحذرن ابناءهن من الذهاب للطبيب ويطلبن منهم الحذر بالقول : “إذا أعطوك فرصة ، انتبه قد يضعون شيئًا في جسمك لأنهم في وقت ما كانوا يضعون شيئًا فيك
و تجربة ( توسكيجى ) للزهري كانت دراسة سريرية غير اخلاقية أجريت بين اعوام 1932 و 1972 على يد حكومات الولايات المتحدة المتعاقبة بهدف مراقبة التاريخ الطبيعي لمرض الزهري .
بدأت خدمة الصحة العامة التجربة في عام 1932 بالتعاون مع توسكيجي وهي كلية تاريخية للسود في ألباما . ضمت الدراسة 600 مزارع فقير من السود من مقاطعة ماكون فى الولاية. ومن بين هؤلاء الرجال ، كان 399 مصابًا بمرض الزهري ، مع مجموعة من 201 رجل غير مصابين. وكحافز للمشاركة في الدراسة وُعد الرجال بالرعاية الطبية المجانية ، لكن خدعتهم خدمات الصحة العامة ،
تم إبلاغ الرجال في البداية أن “الدراسة” ستستمر ستة أشهر فقط ، لكن تم تمديدها إلى 40 عامًا ، استمرت الدراسة دون تقديم اى علاج ، ولم يتم علاج أي من الرجال المصابين بالبنسلين على الرغم من حقيقة أنه بحلول عام 1947 ، كان المضاد الحيوي متاحًا على نطاق واسع وأصبح علاجا قياسيا لمرض الزهري.
استمرت الدراسة حتى عام 1972 ، عندما أدى تسريبها للصحافة إلى إنهائها كليا في 16 نوفمبر من ذلك العام. وادى الكشف عنها إلى تقرير بيلمونت لعام 1979 وكان الكشف عنها أيضًا سببًا لعدم الثقة في العلوم الطبية والحكومة الأمريكية وسط السود ، ما قلل من مشاركتهم في الدراسات الطبية.
في 16 مايو 1997 ، اعتذر الرئيس بيل كلينتون رسميًا لضحايا الدراسة نيابة عن الشعب الامريكى ، ووصفها بأنها كانت مخزية وعنصرية وقال “ما حدث لا يمكن التراجع عنه لكن يمكننا إنهاء الصمت ازاءه ” !!
ألحقت الدراسة أضرارًا بالغة بالرجال وعائلاتهم ، ووفقًا لبحث نُشر في عام 2016 ، فقد أثرت على اجيال من السود ، حيث انخفض متوسط العمر المتوقع بين الرجال الذين تزيد أعمارهم عن 45 عامًا في السنوات التي أعقبت الكشف عن التجربة.
ويشمل ذلك التاريخ الاسود ايضا احداثا اخرى مروعة عززت عدم ثقة السود فى الطب . حيث اخضع عدد من النساء والرجال المستعبدين لعمليات جراحية بدون تخدير بزعم التقدم فى الطب .أجرى اطباء مثل جيمس ماريون سيمز ، الذي اشتهر بأنه “أب أمراض النساء الحديثة” ، عمليات جراحية لنساء سوداوات غير قادرات على معارضة العلاج. وتشمل القصص الأخرى حالات مثل حالة هنريتا لاكس ، وهى امرأة سوداء ذهبت إلى مستشفى جونز هوبكنز لعلاج السرطان في عام 1951 حيث تم اخذ خلاياها واستخدامها في الأبحاث – لصنع عقاقير تدر المال – دون موافقة منها او اسرتها لعقود بعد موتها!! علاوة على فظائع طبية اخرى تعرض لها السود مثل بتر الأعضاء وزرع الأعضاء التى تم اجراؤها دون موافقة ، ناهيك عن قصص لصوص القبور الذين سرقوا أجسادًا لموتاهم لصالح كليات الطب فى الخاصة بالبيض دون ان تجد استهجانا او ادانة
وفى تحقيق نشرته يو اس قال جيسي بيل ، 82 عامًا ، وهو ميكانيكي افروامريكى يعيش في لاس فيجاس للصحيفة : إنه لن يأخذ لقاحًا لفيروس كورونا في أي وقت قريبًا ، مؤكدا انه عندما رأي ترامب وهو يحاول الضغط على شركات الأدوية للإسراع بهذا اللقاح ، وبسبب الطريقة التي يتحدث بها عن غير البيض ، دفعه شعوره للتفكير بانها محاولة منه للتخلص من السود …
من بين البالغين السود الذين يقولون إنهم لا يخططون للحصول على لقاح ، ذكر 40٪ منهم مخاوف تتعلق بالسلامة ، وعزا 35٪ مخاوفهم إلى انعدام الثقة بشكل عام اضافة الى شكوكهم في الحكومة أو نظام الرعاية الصحية.
وبشكل عام ، قال 65 ٪ من البالغين السود إنهم ليسوا واثقين جدًا أو غير واثقين على الإطلاق من أن تطوير لقاح لفيروس كورونا يأخذ احتياجات السود في الاعتبار ،
من جهة اخرى شدد خبراء انه يجب على المجتمع الأفروامريكى أن يدرك أن عام 2020 ليس عام 1932 حيث لم يكن هناك أطباء أو علماء أمريكيون من أصل أفريقي أو قادة سياسة صحية، وان الوضع بات مختلفا اليوم ، مشيرين إلى التغييرات التى حدثت بسبب تلك الفظائع التاريخية لاسيما وأن سلسلة الإرشادات الأخلاقية في الطب المعروفة باسم تقرير بيلمونت قد نبعت مباشرة من تجربة توسكيجي ، علاوة على ان العديد من العلماء السود “يشاركون بشكل مباشر في صنع اللقاح” ، .
و ثمة اجماع بين هؤلاء الخبراء بان الطريقة الوحيدة التي سيتغير بها الجدل حول اللقاح في المجتمعات السوداء هي ألا يكون دور السود المشاركة فى عملية اكتشافه فحسب ، بل ان يتم منحهم أيضًا أدوارًا رائدة في تبادل معلومات اللقاح مع الجمهور.
وفى رايهم تتطلب الجهود المبذولة لزيادة الانفتاح على اللقاح اعترافا صريحا باساليب التمييز التي واجهها السود في المجال الطبي ، وحوارا صادقا ومفتوحا لا يتجاهل المخاوف بشأن اللقاح ، ولكنه بدلاً من ذلك يعالجها بوضوح على ضوء المعلومات .
لان تجنب اللقاح سيكون كارثيا ويمكن أن يفاقم التفاوتات العرقية فى مجال الصحة ويؤدى إلى مزيد من الدمار لمجتمعات السود .
ان الامر
الذي قد يكون أكثر أهمية من الحصول على اللقاح بالنسبة للسود هو زيادة ثقتهم في العملية التي خلقتها ، وفي النظام الطبي الذي أساء معاملتهم فيالماضي والحاضر ..
المطلوب بالحاح هو استراتيجية منسقة حول محو الامية المجتمعية بمساعدة كليات الطب فى جامعات السود على الاقل لتوضيح مايفعله اللقاح بشكل عام بحيث يكون مفهوما للاشخاص
العاديين !!
wardi300@yahoo.com