من خلال جولة ميدانية لمدة ثلاثة أيام شملت ثلاثة ولايات هي الجزيرة’ القضارف وسنار وذلك إجراء هذا التحقيق الصحفي والذي قصدت به معاينة ما تبقى من إرث مشروع الرهد الزراعي الذي كان ملء السمع والبصر واصبح اليوم أثرا بعد عين كغيره من المشاريع التنموية انتاشته يد منسوبي النظام البائد وإصابته في مقتل حيث مزارعوه يكابدون مشقة الحصول على المياه لاسعاف مشاريعهم العطشى.
رغم مشقة الجولة كانت مثيرة فهي مملوءة بالدهشة والمفاجأت فدعوني اروي لكم ما حل بمشروع الرهد العملاق.
نبذة عن المشروع:-
يعتبر مشروع الرهد الزراعي من أهم المشاريع القومية في إنتاج المحاصيل الزراعية المختلفة’ وذلك لتوفر المقومات الأساسية للنجاح’ تأسس في عام 1978 بعهد الرئيس الاسبق جعفر نميري’ ويقع المشروع على الضفة الشرقية لنهر الرهد في مساحة تبلغ 353 الف فدان حوالي 38 الف فدان في ولاية القضارف و62 الف فدان في ولاية الجزيرة-ويشغل امتدادا طوله 160 كيلو متر’. يعتمد نظام الري بالمشروع على طلمبات رئيسية في ولاية سنار بمنطقة مينا بمدينة سنجة. يهدف المشروع للإستفادة من حصة السودان الإضافية من مياه النيل التي أقرتها اتفاقية 1959 م لزراعة 300 الف فدان للمساهمة في زيادة الدخل القومي وتوفير فرص عمل دائمة واستقرار الرحل مع تحقيق التكامل الاقتصادي الزراعي والحيواني بالمشروع..
بداية تدمير المشروع:-
الامين العام لاتحاد مزارعي مشروع الرهد الزراعي يوسف أحمد عثمان استهل حديثه للتحرير عن بداية استهداف المشروع رغم أن المشروع كان في قمة العطاء واوج الازدهار إلا أنه لم ينجو من تأمر بعض رموز النظام البائد ففي العام 1992 م تم وقف التمويل الحكومي للزراعة في إطار زعم ما أطلق عليها النهضة الزراعية والتي كانت بمثابة النكبة وليس النهضة حيث تم حل هيكلة المشروع وتسريح كل العمال والموظفين إلى المجهول.’ كما تم انتخاب عدد محدود لإدارة المشروع كما تعرض المشروع للنهب عندما تم بيع كل الأصول حيث فقد مشروع الرهد 167عربة وعدد من التراكترات والآلات المختلفة وعشرة لاقطات قطن بيعت لجنوب أفريقيا وتم ذلك في إطار محاربة زراعة القطن الذي كان يدعم الخزينة القومية. وظل الوضع هكذا حتى العام 2007م حيث تم رهن دار اتحاد المزارعين لصالح البنك الزراعي بعد استجلاب تقاوي زهرة عباد الشمس والتي كانت فاسدة ومسرطنة وتمت ابادتها في القرية عشرة في القسم الثاني عندما كان المتعافي وزيرا للزراعة. وفي العام 2008 م تم بيع المحالج لشركة الأقطان بعقد ازعان صوري وغير قانوني وجزء من مبلغ البيع لم يسدد علما بأن شركة الأقطان أنشأت بتمويل أسهم المزارعين فهي مملوكة لهم. وفي العام 2009م آلت إدارة المشروع لشركة كنانة الزراعية فتواصل مسلسل التدهور ففي العام 2016م حدثت قاصمة الظهر الكبرى بصدور القرار رقم 32 الكارثي الذي أطاح بكل ما تبقى ما امال المزارعين وقد قضي بفصل الري عن وزارة الزراعة وتحويل المشروع إلى هيئة… ومن ثم بدأ مسلسل العطش.
ذلك ما اكده مدير عام هيئة مشروع الرهد الزراعي عبدالعظيم عبدالغني بوجود عجز كبير في مياه الري مسببا الكثير من الضرر في المحاصيل خاصة محاصيل العروة الشتوية الحالية وقال إن تحديات الري والعطش لن تمكن المشروع من الإيفاء بالتزاماته محذرا من أنهم أمام خيارين أحلاهما مر’ اما توفير مياه الشرب للمواطنين أو للمحاصيل والحيوانات خاصة أن المنطقة تنعدم فيها المياه الجوفية عدا مشاريع القسم العاشر والتي تستخدم فيها الآبار الارتوازية حيث تمكنت شركة الزبيدي الاستثمارية من حفر 16 بئر ارتوازية’ مبينا أن مساحة المشروع تبلغ 353 الف فدان تستهدف زراعة العروة الصيفية بمساحة 189الف فدان والشتوية تستهدف زراعة 120 الف فدان بينما على أرض الواقع ما تمت زراعته الان حوالي 50% فقط وقد أوقفت زراعة القمح لتفادي تكبد المزارعين المزيد من الخسائر منوها إلى أن المستهدف من زراعة محصول زهرة الشمس كان 30 الف فدان لم تزرع غير 9 الف فدان والعدسية. المساحة المستهدف هي زراعة 20 الف فدان وتمت زراعته في الواقع 5 الف فقط وذلك جراء النقص الحاد في المياه.
استغاثةمن المزارعين:-
بعبارات ممزوجة بالأسى والحسرة اشتكى المزارعون وهم متشبثون بما تبقى من بصيص امل عسى أن ينقذوا ما زرعوه من محاصيل شتوية استغاثوا بالإعلام لإلغاء القرار رقم 32. قانون الهيئة وإعادة قانون مشروع الرهد الزراعي واستعادة جميع الأصول والآليات والأراضي التي تم التصرف فيها من قبل النظام البائد والحل الجذري الذي يرونه هو السعي لحل مشكلة العطش وانسياب المياه لري المحاصيل ودعم تمويل المزارعين وإنجاح أكثار البذور توطئة لتوطين التقاوي مع عمل بورصة موحدة لتسويق المحاصيل. بجانب توفير الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم وبنى تحتية تساهم في استقرار الرحل وتوفر العمالة المطلوبة.
خسائر بالأرقام:-
مدير المشروع شدد بأن المشروع يواجه مشكلة حقيقية في الري وعزا تفاقمها بسبب مشاكل في الكهرباء والطلمبات الرئيسية وحمل إدارة الري المسؤولية كاشفاً عن دفعه مبلغ 27مليار جنيه لصالح الري ومع ذلك يشرب سكان القرية 15 من الترعة مباشرة هم وحيواناتهم وما زالت المحاصيل عطشانة وطالب المزارعين بضرورة الالتزام بالدورة الزراعية وعدم تداخل المحاصيل والمواظبة على تطهير الترع الرئيسية وتسوية المساحات المزروعة لتسهيل انسياب المياه لكل الزرع’ علما بأن أكثر الأراضي تأثرا بالعطش هي الأقسام الوسطى والأخيرة. بينما أكد عدد من المزارعين أن خسائرهم المادية تجاوزت المليارات بسبب العطش حيث قال المزارع الريح إن سعر جوال الذرة ارتفع من 3.الف إلى مبلغ 8 الف جنيه بسبب قلة المساحات المزروعة. أما المزارع إبراهيم أوضح أنه زرع مساحة 162فدان ذرة وزهرة الشمس واخر يوم تم سقيها بالمياه كان في نهاية أكتوبر المنصرم واليوم 24ديسمبر ولم توصلها قطرة مياه.. اما المزارع عبدالرحمن قال إنهم قاموا بتجهيز مساحة لزراعة800 فدان وما استطاع زراعته فقط 70 فدان لقلة المياه مشيرا إلى أن زراعة القمح مرتبطة بوقت معين. واجمع عدد من المزارعين أن قلة المياه أدت إلى تدني نسبة إنتاجية محصول القطن من 13 قنطار للفدان إلى 9 فدان فقط. علما بأن لوزة القطن يتم جنيها عدد ثلاثة مرات والقطن له عايد مادي مجزي جدا.