بسم الله الرحمن الرحيم
.. الثابت أن التغيير أساس كل شيء، (عدا شيء آخر من باب الإستثناء، يكون الأصل ثباته فالعلاقة بين الثبات والتغيير، هي نفسها شكل من أشكال التغيير، يمكن تناولها مرةً)، في كل تفاصيل الحياة، هذا بناءًا على مقياسنا نحن معاشر البشر، وهو من غير شك، مقياس نسبي يتناسب و العقلية المحدودة عندنا، بالنسبة للحقيقة والإطلاق، على هذا فالتغيير أساسٌ، وثابت من حيث كون بقاءهِ كتغيير في كل الكليات والتفاصيل والأصوليات والفروع، والماديات، والمعنويات المجازية، حتى في الثبات نفسه ثمة تغيير، فالأخلاق أساس ثابت بمعنى الوجود، لكن هذا الكُل الثابت فيه تغييرات بسبب عوامل ومتغيرات كثيرة، سواء تغييراً إيجابياً بسبب عوامل تحفز ذلك، أو تغييراً سالباً بسبب عوامل كثيرة تحفز هذا النوع، حتى حِدة ومستوى التغيير من النمطين الأخلاقييَن (الإيجابي والسالب) تتغير باضطرادٍ ومعدلٍ أقل.. ونسبة الأسباب لظهورها على نتائج التغيير (بنوعيه وبمستويَيه) في قوله تعالى (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [سورة اﻷنفال 53]، هنا يتوقف تغيير النعمة، والتغيير عموماً في النفس في الآية الثانية (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)[سورة الرعد 11]
إنما يتوقف على تغيير النفس كسبب للتغيير، وأن الله سميع لدعاء من أراد التغيير، عليم بما تكنه النفوس، إذن هنا نمطٌ من أنماط التغيير مشروطٌ بسببٍ مِن أسباب التغيير. تأصيل التغيير وحركته في الكونين: الكون المسطور، القرآن الكريم، والكون المنظور، كوننا المادي، لَهيَ حركة لها صورتها الظاهرة ولو بصورة تناسبية على حسب التفكر والتدبر وإمعان النظر في الكونين، فخذ مثلاً آية (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)[سورة اﻷنبياء 33].. هنا تغيير الكون المنظور في قرآننا العظيم، فالليل والنهار والشمس والقمر، كلٌ في فلكٍ يسبحون، أياً كان تعريف يسبحون، فهذا السبح إنما هو تغييراً، وله أسبابه، (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)[سورة يس 40]..إدراك القمر، ونفي سبق الليل النهار، وسبحها جميعاً، كله هذا هو حركة، وهي تغييراً..وإذا أرسلتَ النظر والفكر في السماء، والأرض وغيرها، وفي النفس البشرية، و كل مايحيط بك، فلن يرتد عليك البصر خاسراً وحسيراً، لكن النتيجة ستكون أن التغيير هو الأصل والثابت الوجود الذي يتغير متى ما تهيأت أسباب التغير.
إذن أي مقاومة للتغيير كانت على العكس حين تهيأت الأسباب لذلك، فإن النتيجة شرخاً في وظيفة مهمة على إثرها تسترسل الحياة مستقيمة وقويمة، تُحمد نتائجها، سواء كان ذلك في حياة المرء الشخصية، أو في حياة المجتمع، أو في منظومة الأخلاق الحاكمة على المستويين؛ الشخصي والمجتمعي.
هذا الأمر شرحه يطول، ويتعقد، لمرجعيته لكل شيء وفي أي شيء، ولتعدد ضروبه وتشابك علاقاته؛ فهذه أرض تدور، وهذا كون يتسارع بحركته كل أجزاء من الثانية، وهذه نفس تموت وأخرى تولد، وهذا يمرض وآخر يتعافى، وشخص يفرح وغيره يحزن، ودول تزدهر وغيرها تعصفها الحروب والمجاعات، وحركة من التاريخ تتشكل بكل تغييراتها الماضية في كل الضروب الحضارية والسياسية والجغرافية، ومثلها يتشكل اليوم وغداً في المستقبل، التاريخ نفسه من ماضٍ وآنٍ ومستقبل، هي حركة تغيير.. هذا وغيره تشكيلات من أنماط التغيير، ترجع لها حاكمية الحياة.
سنبسط فيه التفصيل في هذه المساحة، بإذن الله.
1442/5/17ه
2021/1/1م