من أسوأ ما انحدرنا إليه بعد هذه الثورة هو ممارسة الإبتزاز الفكري على الناس بأسلوب الإلتفاف الأعمى حول الأشخاص و ليس الفكرة . و من ذلك اختزال العملية التربوية بكل ما تقوم عليه من أوتاد معرفية و مجهود جماعي في وهم أسمه شخصية البطل المُخّلص صاحب القدارات الخارقة.
لو انهزم هذا البطل أو أتضح زيفه ، انهزمنا جميعاً و انتكسنا و لربما انتحرت البلد كلها من بعده حسرةً و خيبة . البطل الذي أراد الذين صنعوه أن يتحول كل شئ من حوله إلى مسرح كبير تمتلئ مقاعده بالمتفرجين الذين لا يجيدون شئ سوى التصفيق العاصف .
مطلوب منك أن تصفق دون أن تفكر . عليك أن أن تُعّلق قلبك بهذا البطل كما يتعلق قلب الطفل بلعبة . عليك – و أنت في حضرته- أن تكون أي شخص في هذا الوجود إلا نفسك . يتوجب عليك دفع الأذى و غوائله عن كل فكرة أتى بها هذا الفارس الأسطورة حتى و إن لم تكن انت من صناعها يوماً. كن ترزياً بارعاً في حياكة المبررات لكل لوحة خطرت على ذهنه الشريف حتى و لو كانت نقشاً ساذجاً منسياً في احدي مغارات انسان العصر الحجري . لابد أن لها معنى أعمق مما يتصوره عقلك البائس المتواضع القدرات . الذين يفهمون أكثر قالوا انها تحفة ، إذن اشرحها و غُصْ في مكنوناتها و تذوق كل طلاء اندلق فيها بهوس محموم . ألهث وراء كل من يقول بغير ذلك و صب عليه لعناتك بسخاء . اقرأ التاريخ كما يود لك الآخرون أن تراه .. احتقر نفسك من خلاله و أخطو بقدميك خطوات واثقة و راسخة في عملية انهيار الإعتبار للذات .. خذ ما يشاؤون لك من المواقف عن أحداث لم تشهدها و لم تقرأ عنها سطر واحد .. احمل تمر الفكي على رأسك كأي مسترق بائس ولكن تذكر أنه محرم عليك .. لأن القطيع- في عُرف هؤلاء- لا يأكل و إنما يُعلف مثله مثل الأنعام..
اصرخ حينما يراد لك أن تصرخ .. كمم فمك حين يقرر لك هؤلاء أن تصمت .. كن الظل ولا تكن الأصل .. كن الصدى ولا تكن الصوت .. كن هكذا.. مسخاً مشوهاً .. مشحوناً بالعواطف النقيضة.. وأفلت بجلدك من أن يصموك ب” القوى الظلامية ” .. فتلك هي الجزرة و إن أبيت فلك العصا و الهراوات !
تحلل من كل هذه التخرصات و أعلن نفسك مقاتلاً جسوراً في خندق الثورة حتى و لو سعدت بك هي قادماً إلى صفوفها في الساعة ٢٥ .. ارقص بجسدك المرتجف هناك .. خوفاً و طمعاً و تقية .
هم يريدونك هكذا ، فكن كذلك !
يريدونك قرباناً صامتاً .. حتى إذا نجوت من الذبح.. صرت مسترقاً في محفلهم تعبد خنجراً مسموماً و تريق دم الآخرين إنابة عنهم. و إن جهرت بما لا يطربون لسماعه ، غرسوا فيك نصله دون أن يمنحوك صكاً واحداً يواري جسدك في مدافن الغفران ..
اذن عليك أن لا تلقي بالاً للسعات النمل الذي يتسلل من كل ثقب يملأ جسدك ، بل تفانى في مهمتك حتى النهاية . واصل الصراخ حتى و ان تهاوى البطل و المسرح كله على رأسك .. في الحقيقة ، ليس مهماً أن يبقى المسرح و لا المتفرجين و لا المسرحية نفسها .. المهم أن يحيا البطل وحيداً و يرقص فوق أجسادنا جسداً جسداً .. بعدما أهلكنا الجدل حول خوارقه و استنام فوق خلايانا التعب من ” الدواس ” ذوداً عن مناقبه ..
اذن فليمت الوطن ..و ليبقى البطل ..
يالغشاوة الأبصار !