لا أخفي إعجابي بكتابات الأستاذ كمال الجزولي منذ أن كان يكتب معنا في صحيفة “الصحافة” الموؤدة مع سبق الإصرار والترصد في عهد الإنقاذ عبر مشروع جهاز الأمن آنذاك تحت مظلة “الشراكة الذكية” التي تمت بدمج ثلاث مؤسسات صحفية كانت تصدر الصحافة والحرية والصحافي الدولي نتيجة لعدم رضاء جهاز الأمن عن السياسة التحريرية لصحيفة الصحافة.
وبدأت الخلافات وسط الشركاء، وانتهت بإجهاض مشروع الشراكة الذكية، ومن ثم إغلاق الصحافة. لن أبكي على أطلال الصحافة فقد كتبت أكثر من مرة عن تفاصيل ما حدث، لكنني تذكرت تلك الفترة الثرة التي كان يكتب فيها نخبة من الكتاب من بينهم الأستاذ كمال الجزولي، الذي كان يحرص على مراجعة رزنامة الأسبوع بنفسه بعد تصحيح المدقق اللغوي في مشهد متميز عن سائر كتاب الرأي.
ما كتبه في رزنامته التي كانت بعنوان “بعد يا مايو” عن علاقة الماركسية بالدين قدم فيها شهادة مستحقة عن الحزب الشيوعي الذي أعلم اجتهاده في انتهاج خطوات عملية تجاه جعل التجربة الشيوعية في السودان مختلفة عن التجربة الروسية السوفييتية، وأعجبني ذكره موقف الزعيم الشيوعي السوداني حسن الطاهر زروق، عليه رحمة الله، الذي أكد فيه استبعاده تطابق التجربة السودانية مع التجربة الروسية السوفييتية، ودعوته إلى تفادي سلبيات التجربة الروسية، مثل: عدم تقدير دور الدين في حباة الشعوب.
وأضاف كمال الجزولي ما يؤكد نهج التجديد في التجربة السودانية منذ المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي الذي عقد في يناير 2009م حسب ما جاء في التقرير السياسي الذي قدمه سكرتير الحزب آنذاك الأستاذ محمد إبراهيم نقد، عليه رحمة الله، الذي أشار فيه إلة مناداة مؤسسي الاشتراكية العلمية إلى ضرورة الاستفادة من الومضات الإيجابية في التيارات الفكرية والفلسفية الأخرى، وأكد نقد في ذات التقرير أن الماركسية ليست فصل الخطاب، و الكلمة النهائية التي تُطوى بعدها الصحف وتجف الأقلام.
هذه المرافعة الموضوعوية، أعادتني لذكرى لقاء تم بيني وبين الأستاذ نقد داخل عربته، وهو يوصلني إلى مقر صحيفة “الأسبوع”، حين طلبت منه إجراء حوار معه للصحيفة، فاعتذر لي بلباقة، قائلاً انه ليس لديه مانع من أن أجري معه الحوار، لكنه رفض نشره في صحيفة “الأسبوع”.
وقد تفهمت موقفه، و ظل الود بيننا قائماً. تكررت اللقاءات بيني وبين الأستاذ نقد في البرلمان وفي منزل الإمام الصادق المهدي، عليه رحمة الله ورضوانه، وفي منتديات أخرى، وأشهد الله انني كنت ومازلت أراه شيخاً صوفياً رغم ماركسيته المعلومة، لذلك لم أندهش من الرواية التي حكاها لي لبني التشكيلي علاء الدين عبدالرازق عندما كان نقد يقطن جارهم بالرياض، وكان يشاركهم الأفراح والاتراح، ويسهم معهم بتفسه في نظافة الحي، قال لي علاء لإنه كان حاضراً عندما طلب الحضور ذات يوم من نقد أن يؤمهم في الصلاة، وفعل، وعقب الصلاة تساءل أحد المصلين: “دحين ده ما نقد؟!!” وعندما أكدوا له ذلك أراد ان يتأكد بنفسه، فتوجه نحوه، وسأله : أنت محمد ابراهيم نقد، فأجابه قائلاً : أيوة محمد ابراهم نقد، فما كان من السائل إلا أن قال له: ماك شيوعي؟!! أجابه نقد : بالحيل.
ومضى صاحبنا يسأل مندهشاً: وبتصلي؟!! فدخل الأستاذ نقد في نوبة ضحك دون ان يجيبه عن سؤاله الإستنكاري.
رحم الله الشيخ الصوفي الزاهد الماركسي محمد إبراهيم نقد الذي طبق عملياً حلم المؤسسين ليس فقط بالاستفادة من الومضات الإيجابية في مجتمعه المحيط، بل جعلها تمشي على قدمين.”.