تقولُ النكتةُ السائرة أن رجلاً كان متزوجاً بإمرأةٍ قبيحةٍ جداً ثم أن هذه المرأة تُوفِّـيت وتزوج بعدها بزوجةٍ أخري.. وذهب إليه أحدُ أصدقائه يزورُه فوجد زوجة صديقِه الجديدة أشدّٙ قُبحاً من المُتوفّٙاة فقال له:- (عارف يا فٙـرْدٙة، إنت عامل كدة زي الأدُّوهُو بِـنٙلتِي وضٙيّٙعـُو)..!! (والبنلتي penalty هو ضربةُ الجزاء في كرة القدم كما هو معلوم) !!!
تذكرتُ هذه النكتة حين أُعلِن فشلُ الحكومة السودانية في فترة (حُسن السير والسلوك) ذات الستة أشهر الممنوحة لها من أميركا، ليتمّٙ تمديد رفع العقوبات المفروضة عليها لثلاثة أشهر أخري.. وسبب تذكُّري لهذه النكتة هو الخوف من أن تفشل الحكومة وتضيِّع مُجدداً هذه الفترة الجديدة كما ضيّع صاحبُنا فرصةٙ (إستبدال زوجٍ مكانٙ زوج) أجملٙ وأبهي !!
لقد ظلّٙ المسؤولون السودانيون يردِّدون، و بإستمرار، أن مسألتيْ الحريات وحقوق الإنسان ليستا ضمن لائحة المطلوبات الأميركية الخمس لرفع العقوبات..وهكذا تظنُّ الحكومةُ السودانية -خطأً ومُكابرةً- أنّٙ كلّٙ ما يتعلق بهذين البندين لا يهُـم الأميركان في شيء لا من قريبٍ ولا بعيد.. ولهذا ظلت الحكومة تنتهك فيهما وفي غيرِهما ما شاء لها جبروتُها أن تنتهك في فترة سماح الستة الأشهر الماضية، وها هي تبتدِرُ الثلاثة الأشهر القادمات بأفظعٙ مما فعلت في الستة الفائتات..!!!
كنتُ قد كتبتُ وقلتُ في مقالٍ سابق إن إنتهاكات حقوق الإنسان والحريات -وحتي وإن لم تهتم لها الحكومةُ الأميركية- إلّٙا أنها تهُـم الشعبٙ الأميركي حتماً.. وأن أعضاء الكونجرس الخمسين الذين كانوا قد قدّموا إحتجاجاً مكتوباً لحكومتهم يعترضون فيه علي نية حكومتِهم رفع العقوبات عن السودان غالباً أنهم سيقدِّمون ذات الإحتجاج إذا ظلت الحكومة السودانية علي ذات إنتهاكاتها وإزدرائها لشعبِـها ولهذيْن البندين !! وسوف لن تستطيع الحكومةُ الأمريكية تجاهلهم عندئذ !!
إنّٙ ما تعرّض له طلابُ دارفور المستقيلين من جامعة بخت الرّضا -وحده- في الأسبوع الماضي هو أنصعُ دليلٍ علي أنّ الحكومة السودانية تسعي حثيثاً لإضاعة مهلة الثلاثة أشهر الجديدة !!
فبعدما تقدّم الطلابُ بإستقالاتهم إحتجاجاً علي سياسات الجامعة الظالمة والمتحيِّزة ضدهم وغادروا الجامعة، منعتهم أجهزةُ أمن الدولة حتي من ركوب المواصلات العامة إلي الوجهة التي يريدون عقاباً لهم وتضييقاً عليهم وحٙجْراً علي حرياتهم!!.. وكان منظرُ الطلاب وهم يحملون أمتعتهم علي ظهورهم أرتالاً ومشاةً علي الأرض، وعلي غير هُدي، كمنظر أرتالِ الفارّين من جحيم الحروبِ الأهلية في أفريقيا..!!!
ثم أن الأجهزة الأمنية لاحقتهم طوال الطريق حتي قرية الشيخ الياقوت التي إستضافتهم في كرمٍ وودٍ وترحاب إستضافةً سار بخبرِها الرُّكبان.. وظلت الأجهزةُ الأمنية تراقبهم هناك وتحسِبُ عليهم أنفاسهم وهم في ضيافة الشيخ الياقوت، والوساطات لحلِّ مشكلتهم تتري، ثم ضيّقت علي من تعاطف معهم من الأحزاب وأهل الخير وشخصيات المجتمع التي زارتهم لدرجة أنها أعتقلت بعضهم ونكّلت بهم..!!
وعندما غادر الطلابُ قرية الشيخ الياقوت علي حسابهم الخاص في حافلاتٍ دبّٙروها لنقلهم إلي دار فور ضيّقت عليهم أجهزة (دولتهم) الأمنية كذلك طوال الطريق، وحين وصلوا مدينة الأبيض مٙنٙعت عنهم الزادٙ الذي تبرّع لهم به الناسُ والجمعياتُ الخيرية والأحزاب ومنعت وصوله إليهم، ورجع به المتبرعون أدراجٙهم من مشارف مدينة الأبيض!! وفي الفاشر أشرفت الأجهزة الأمنية علي تفريقهم مع التضييق والحٙجْر والإشراف المتجبِّر والقمع!!!
كانت الحكومةُ تفعلُ كلّٙ ذلك دونما حياءٍ ولا مداراة ولا خوف، لا من شعبها ولا من الأميركان ولا من الله.. فإذا كانت هي ما عادت تُبالي بما يري الله-سبحانه وتعالي- وشعبُها من أعمالها وإنتهاكاتها فكان الواجب أن تعلم أن الأميركان -الذين تتحسّب لهم بأكثرٙ مما تتحسّب لله- يرٙون ذلك ويسمعون ويدوّنون ولا ينسٙون !!! وسوف لن يكون متيسراً للشعب الأميركي أن يتغاضي عن هذا القمع والقهر والتجويع والتضييق والتجبُّر وينساهُ في ثلاثة أشهر فقط حين يحِلُّ وقتُ جردِ حساب العقوبات..!!
ومع أننا نعلمُ أنه من العسير علي هذه الحكومة أن تلتزم برعاية حقوقِ إنسان وكفالةِ حريات ظلت تضيق بها ولا تباليها وتنتهكها وتقمعها طوال ربعِ قرن ونٙـيْف -إذِ الطبعُ يغلبُ التطبُّع-وأنّنا نعلمُ أنّٙ ما لم تتعلمه الحكومة في ربعِ قرن ليس معقولاً أن تتعلمه في ثلاثة أشهر.. ولكننا مع هذا كنا نظنُّ أنّها من الحصافة بحيث أنها سوف (تجي علي نفسِها) وتُحاذِرُ في الثلاثة الأشهر القادمات فيما فشلت في محٙاذرتِه في فترة السماح الأولي..ولكن ما فيش فايدة -وفيما يبدو- فأنها سائرةٌ في ذات الإتجاه الذي سار فيه صاحبُنا -زوجُ القبيحتين-حين أضاع (البِـنٙلتِي) الذي مُنِح له !!!