القصر.. وتحرير الخرطوم..!
عثمان شبونة
- ليس المقصود بالعنوان تلك المعركة التي قتل فيها غردون باشا في يوم 26 يناير 1885م؛ وقد كانت (استباحة ــ همجية) أكثر من كونها معركة تحرير.. فلو عاش أمثال غردون طويلاً لأصبحت الخرطوم مدينة تلامس الجمال؛ تقترب من الكمال؛ لا علاقة لها بالبؤرة الحالية القذرة التي تسمى عاصمة وتتخذها عصابات السلطة المتخلفة والفاسدة سكناً؛ مثلما كان يفعل أسلافهم.. لقد كان قدر هذه العاصمة أن تتحول بعد سنوات طويلة من رحيل الإنجليز إلى (مكب نفايات سياسي) تمثله الأحزاب السودانية والجماعات الأخرى؛ وصولاً إلى راهن صار فيه الحصول على رتبة عسكرية رفيعة أسهل من الحصول على (أنبوبة غاز)! أي وصلنا ذروة الإنحدار في المضمار السياسي والعسكري؛ بأن يكون على رأس البلاد مجموعة قتلة وخونة وضباط مزيفون يمثلون اسم السودان في الحركة والسكون..! لماذا؟!
ــ لأن الخرطوم لم تتحرر بعد..! - المقصود بالعنوان؛ الحاجة إلى التحرير الشامل من مشهد سلطوي طال ثباته؛ عوّدنا عليه (القصر الجمهوري) الذي اتسع لكل جيفة عبر تاريخه.. فجُلَّ كوارث ومطبات حياتنا تبدأ منه لأننا فشلنا في تنصيب أو إنتخاب حاكم (يمثلنا) ولا أقول ( ينال رضانا التام)! فإذا بنا الآن محكومين بمن لا يمثلنا ولن ينال رضانا حتى لو جاء بالإنتخاب.. أعني (عسكر وجنجويد يفلتون من العقاب) ويستمرون في تمثيل السودان (بالعافية)!! يسافرون ويعقدون الإجتماعات مع الرؤساء والملوك.. (يعيشون الدور السياسي بوهمٍ بالغ) لأن الخرطوم لم تتحرر بعد..!
- لو استطاعت (ثورة ما) تحرير الخرطوم من (مخلفات الإسلامويين) وقبلهم العسكر محدودي الأفق ومعدومي الوطنية؛ لما انحصرت أحلامنا في هوامش مثل (عودة التيار الكهربائي) وطول الصف (بين الخبز والوقود)..!
- ربما يفكّر أحدنا في علة تضرب الشعب قاطبة؛ يلخصها التبرير الدائر مع الوقت وهو: (هؤلاء الحكام من الشعب)! بمعنى إذا لم يتغير الشعب فلا نطمح في أن نتقدم وننهض كباقي الأمم بمجموعة أشخاص يجلسون داخل القصر الجمهوري.. لكن إذا أدرنا رؤوسنا بتفكير بسيط سنجد أن مصدر سعادة الأمم ورفاهها واكتفائها وعِزتها كان عموده الفقري يتمحور في حكومة رشيدة؛ أو حتى فرد واحد في الحكومة..! والرشد يحمل في ظلال معانيه كل ما يخطر ببالك من السمو والفلاح.. بعكس ما هو متوفر في دمامل القصر المُختطف الآن..! والرشد (الثوري) هو الذي سيحرر الخرطوم؛ فلا يجلس على كرسي مستقبلها مُرتزِق أو قاتل أو لص يريد حماية ثروته المنهوبة بالتسلُّط وشخير العدالة المُزمِن..!
- لماذا حصرنا التحرير في الخرطوم؛ وليس الوطن الكبير؟! أظن أي عاقل يعلم تماماً بأن كل موبقات المعتوهين السابقة (واللاحقة) من القتل والنهب والتعذيب والإغتصاب والإبادة الجماعية كانت (تُنظّم) داخل القصر.. ومايزال هذا المكان يسيطر عليه أشخاص يتشبثون بالمجد المزيف.. وفي الأمثال: (المجد المزيف قد يزهر ولكنه لا يثمر)..!
أعوذ بالله
ــــــ