لو رأى ديون النائب العام البرنامج الذي استعرض سرقة ممتلكات مشروع الجزيرة وتدميره بالكامل وما جرى في هيئة الحفريات و(مصانع المَلَكية) في مدني ومطاحن (قوز كبرو) ولم يسافر بنفسه أو يشكل فريقاً من وكلاء نيابته بصورة عاجلة لتجميع التقارير ومساءلة الشهود وفتح البلاغات (فيا فؤادي رحم الله الهوى)..! ..هذا الفيلم الذي يصوّر ما فعلته جماعة الإنقاذ ولصوصها التابعين في مشروع الجزيرة (بلاغ جاهز) ولا يحتاج من ديوان النائب العام سوى غلاف يحوي الأوراق..! فقد وردت بالصوت والصورة شهادات العاملين الذين لا زالوا أحياء وكانوا شهوداً على ما جرى ويعرفون بالأسماء من قام (بتلجين) الماكينات العملاقة ومن قام باعتقال العاملين المحتجين ومن الذي تحولت إليه ملكية آليات الحفريات ومن قاموا بتلجينها ومن باعوا هيئة الأبحاث والجراجات والحفّارات والفبريكات والقطارات وقضبان السكة حديد والورش والمطاحن والمغازل والماكينات العملاقة التي كانت تعمل (بكفاءة ألمانية) ولم يتركوا حتى المفكات والمفاتيح و(عدة الشغل)..! كل هذه الشهادات صدرت من عاملين لا يزالون بالمشروع..فما هو الخفي في هذه الجريمة المكتملة وإلى متى نداري على أسماء اللصوص ونقدم لهم كل هذا التبجيل.. وكأننا نقوم بالتطبيق العملي للقصيدة الساخرة: (احترامي للحرامي)..!!
نسمع الآن أصواتاً عالية تصدر من الإنقاذيين ومحاسيبهم وصحائفهم ومنابرهم وهي صيحات من أجل التغطية (ودفاع المنطقة) تعكس الذعر من لجنة تفكيك التمكين واستعادة الأموال..ولكن الجرائم والسرقات تطل برأسها كلما تم رفع الغطاء عما دار في جميع أنحاء البلاد وعبر كل المؤسسات والمشروعات وحيثما كان هناك (قرشاً أحمر) أو (حديدة قابلة للبيع)..! فلماذا لا نفسح مزيداً من المجال وبصفة يومية لشهادات من شهدوا بعيونهم فلاناً وفلاناً من جماعة الإنقاذ و(حراميتهم بالوكالة) ليحكوا عما شاهدوا..؟! هذا مثال صارخ ورد في تلفزيون الدولة عن سرقة موارد الدولة بواسطة أشخاص بعينهم حطموا مشروع الجزيرة لتسهيل سرقته وقد ذكرت الشهادات تقديرات مبالغ السرقات وبيع الآليات النادرة التي كانت تعمل بكفاءة..وحتى هذه التقديرات البخسة لم يدفعها الحرامية أصحاب الحظوة..! ألم يكن معلوماً من هم اللصوص الكبار الذين وضعوا قانون مشروع الجزيرة الشهير لتسهيل التفكيك والسرقة؟ ألم يكن معلوماً من كان مدير المشروع (وجماعته) الذي جرت السرقات تحت إدارتهم ؟ هل من الصعب تحديد رؤساء وأعضاء لجان الخصخصة وبيع مرافق القطاع العام التي تحوّلت إلى لجان (للنهب العام).. ووزير المالية الذي وقف خلف كل ذلك.. وعصابة القصر التي فتحت الشبابيك والذين رست عليهم عطاءات التزوير والمشتريات والمبيعات..؟! إنهم أشخاص موجودون ومعروفون بالأسماء فلماذا لا تطلبهم الجهات العدلية ولو لمجرد أخذ أقوالهم في ما جرى..؟! إن أرشيف الصحف موجود وليس الأمر من الأسرار العليا والخفايا المواربة فما هي المشكلة..؟!
هذا هو الأسلوب الذي تم به تفكيك وسرقة النقل الميكانيكي والمخازن والمهمات ومعدات الأشغال والبواخر والسفائن والنقل النهري والأسطول البحري..الخ وهذا هو الفساد الذي استهلت به الإنقاذ مشروعها الحضاري و(تحريرها الاقتصادي) الذي قصدوا به (تحرير الأيدي) للنشل..! وهذه بداية القصة الحزينة الطويلة حول شركات ومؤسسات النيل الأبيض والنيل الأزرق وجبال النوبة والرهد وحلفا الجديدة والسوكي والحبوب الزيتية والمواصلات السلكية وغير السلكية والسكة حديد والكناف والغزل والنسيج والتغليف والصمغ والأقطان والاسمنت والإمدادات والمدابغ والمحالج والأبحاث والأسواق الحرة والمرطبات وتعليب الفاكهة وأسماك النوبة وألبان كوكو وأخشاب أم حراز وكرتون أروما وشركات الأحذية والأغذية والفنادق والفلل الرئاسية والمراسي والموانئ والقروض والودائع والأرصدة ..فمتى ينزعج القائمون على منصة العدالة..؟!